الأعظَمُ في مَلكوتِ السَّماواتِ متى 18: 1-10

“مَنْ هوَ الأعظَمُ في مَلكوتِ السَّماواتِ؟” (الآية 1): ليس لدى التلاميذ فكرة دقيقة عن ماهيَّة “ملكوت السَّماوات”. مِنَ الواضح، في أذهانِهِم، كُل مَنْ يتَكلَّم عن مَلكوت، فهوّ يَتحدَّث ضمنيَّاً عن ملكٍ، شخص يُهيمِن وهناك حاشيَّة مِنَ الخَدم …إلخ. العقليَّة السائدة في ذلك الوقت ولكن هذهِ العقليَّة الدُنيَويَّة لا تزال ساريَّة المفعول. أي مُجتَمع بَشَري لا يَسعى إلى “المُهيمِن” وكم عدد الأشخاص الّذين يُضَحّون غالباً بأغلى جُزء مِنْ حياتِهِم مِنْ أجلِ النجاح في الحصول على المكانة المُهيمِنة؟ 

كان جواب يسوع ثوريَّاً، فهو يطلب تغييراً جذريَّاً وكاملاً، يطلب ثورة التحول الوجوديَّة. إنَّ ملكوت الله ليس مدينة فاضلة مثل العديد مِنَ الثورات الأيديولوجيَّة الّتي استولت على السلطة في التاريخ وقتلت ما قالوا هُم أنفُسهم إنَّهم يؤمِنون به. تظل المدينة الفاضلة بعيدة عن الأطفال الّذين وضعَهم الرَب يسوع  في المركز وهذا يعني أنَّ مَلكوت السَّماوات بينَنا، في مُتناول اليَد، في أعماقِنا، مثل هذا الطفل في وسطِ التلاميذ المُشرَّدين. 

“مَن إتَّضعَ وصارَ مِثلَ هذا الطِّفلِ، فهوَ الأعظمُ في مَلكوتِ السَّماواتِ” (الآية 4). سبق أنْ ذكر يسوع الأعظم والأصغر في ملكوتِ السَّماوات، فدعنا نَفهم بِشكلٍ مُتواضع أنَّ الأصغر هو الأعظم لأنَّه عرَف كيف ينزع سلاح نَفسَهُ ويجعل نَفسه صغيراً كطفلٍ أمام قوَّة هذا العالم العظيم (راجع متى 11: 11). 

مَنْ هُم هؤلاء الصِغار الّذين يتَحدَّث عنهم يسوع، وكيف نتَعرَّف عليهم حتّى لا تُزعِجنا مَعرِفتهِم؟ هُم الّذين تراهُم عَيْنا الرَب على هذا النَحو، هُم أولئك الّذين يؤمنون بالرب ويّثقون بهِ، كما يَثِق الطِفل بأُمِّهِ (راجع الآية 6). نحن مدعوون للدخول في رؤيتِهِ، في تَمييزِهِ حتّى نتَمكَّن مِنَ الترحيب بأطفالِ الرَب وبالتالي الترحيب بِه. لقد تَمَّ تأجيلنا إلى نهاية الإنجيل وفقاً لمتى حيث يعرّف ابن الإنسان نفسه مع الصغار. بعض التلاميذ يسألون ابن الإنسان: “متى رأيناك في حاجة؟” فيجيبهم الملك: “كُلَّ مَرَّةٍ عَمِلْتُم هذا لواحدٍ من إخوتي هَؤلاء الصِّغارِ، فلي عَمِلتُموهُ!” (متى 25: 39). 

نحن بالتأكيد أمام طريق نَسلُكه. لقد ولِدنا أطفالاً، ولكن عندما نكبر يجب أنْ نُصبح أطفالاً وفقاً لمعايير ملكوت السَّماوات. 

في إنجيل يوحنا، أعطى يسوع الجواب لنيقوديموس الّذي سأله كيف يمكن للإنسان أنْ يولد وهو شيخ: “ما مِنْ أحّدٍ يُمكِنُهُ أنْ يَدخُلَ مَلكوتَ اللهِ إلَّا إذا ولِدَ مِنَ الماءِ والرُّوحِ” (يوحنا 3: 5). يُشير الماء والروح إلى حقيقة أنَّ المؤمن قد تَعَمَّد في موتِ الرَب وقيامَتِه، ويشرح يسوع الطريق الّذي يجب أنْ نسلِكَهُ لكي نَتَعلَّم كيفيَّة تنفيذه بشكلٍ ملموس: “فإذا أوقَعَتكَ يَدُكَ أو رِجلُكَ في الخَطيئةِ، فاقْطَعْها وألقِها عَنكَ” (الآية 8). فينا، في كُلِّ واحد مِنَّا، هُناك صغير لديه إيمان ويجب ألا نُشَكِكَهُ حتّى لا نؤذي الآخرين الموجودين فينا. 

باليد، أي أفعالنا، يمكِنُنا الاستحواذ أو الترحيب والمشاركة. بالقَدم يمكِنُنا السير في مَسارات مُميتة مَطويَّة على اهتماماتِنا أو مَسارات مفتوحة للآخرين. بالعين يمكِنُنا أنْ نتَعلَّم أنْ نُميّز أين يُضيء نور القيامة في حياة الآخرين أو نرى فقط ظلامها. لنا يُعطى أنْ نكون قادرين على التأمل بوجهِ الآب، والترحيب بالرَب فينا وفي الآخرين، ونعيش بحسب ملكوت السَّماوات. 

بقلم: الأب سامي الريّس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …