حداثة: من منطق الإعلانات إلى منطق النعمة

مِمّا تتكون هذه الحداثة، والّتي تُميّز الزواج المسيحي في مواجهةِ أي شكل آخر مِنْ أشكالِ الإتِّحاد بين الرجل والمرأة؟ بالطبع الزواج المسيحي الّذي أراده يسوع أنْ يكون جديداً فيما يتَعلَّق بمفهومِهِ والّذي كان منتَشِراً في البيئة الّتي عاش فيها، حيث يمكن أنْ يعيشه الاتحاد الزوجي “الإذن” الّذي كان موسى بِأمرٍ مِنَ الله قد مَنَحه للأشخاص المختارين “لقَساوةِ قلوبِهِم” حيث نقرأ: “إِذَا أَخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَتَزَوَّجَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شَيْءٍ، وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاَق وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ، وَمَتَى خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ ذَهَبَتْ وَصَارَتْ لِرَجُل آخَرَ، فَإِنْ أَبْغَضَهَا الرَّجُلُ الأَخِيرُ وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاَق وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ، أَوْ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ الأَخِيرُ الَّذِي اتَّخَذَهَا لَهُ زَوْجَةً، لاَ يَقْدِرُ زَوْجُهَا الأَوَّلُ الَّذِي طَلَّقَهَا أَنْ يَعُودَ يَأْخُذُهَا لِتَصِيرَ لَهُ زَوْجَةً بَعْدَ أَنْ تَنَجَّسَتْ. لأَنَّ ذلِكَ رِجْسٌ لَدَى الرَّبِّ. فَلاَ تَجْلِبْ خَطِيَّةً عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا” (أنظر تثنية 24: 1-4).  

كم هو فقيرٌ هذا المنطق في فكرِ يسوع! رغم ذلك فأقَلَّ ما يمكن قوله هوَ إنَّ هذهِ الطريقة تُصوّر العلاقة الزَوجيَّة السائدة في العهد القديم، والّتي هيَّ مِنْ بين الأُمور الأُخرى، تسيرُ فقط بجانب العقليَّة الذكريَّة الّتي كانت تَسود حينها، غير مقبولة على الإطلاق في مَنطِق الإيمان المسيحي المبني على أساس المُساواة الّتي دعى إليها الرَّب بين الرجل والمرأة، والّتي أعلن عنها القدّيس بولس: ”ولا فَرقَ الآنَ بَينَ يَهودِيٍّ وغيرِ يَهوديٍّ، بَينَ عَبدٍ وحُرٍّ، بَينَ رَجُلٍ وامرأةٍ، لأنَّكُم جميعاً واحد في المسيح يسوع“ (غلاطية 3: 28). هذا المنطق كان موجوداً في الأساس منذ الخلق كما نقرأ: ”فخَلَقَ الله الإنسان على صورَتِه، على صورةِ الله خلَقَ البشَرَ، ذكراً وأنثى خلَقٌهُم“ (تكوين 27:1). ”وقالَ الرّبُّ الإلهُ:  ليس جيَّداً أنْ يكونَ آدم وحدَهُ، فأصنعُ له مَثيلاً يُعينُه“ (تكوين 18:2). اليوم مَنطِق التَفضيل الّذي سادَ في الحضارات القديمة والمؤسَّس على أنَّ الرجل أفضل مِنْ المرأة هوَ مَرفوض أكثر مِنْ أيّ وقتٍ مَضى. وهذا لا يحدث فقط بسبَب ثقافة تكافؤ الفرص الّتي نحن اليوم حساسون للغاية تِجاهيها، ولكن أيضًا قبل كُل شيء بسبَب المفهوم الأصلي للزواج الّذي يعود إلى قَصدِ الله الخالق ذاك الّذي مِنْ أجلهِ جاء يسوع ليَستَردَّ ويَعطي كُل رجل وامرأة قيمَتهم الحقيقيَّة في هذا العالم.  

لقد حان الوقت بالنسبة ليسوع ليتَغلَّب على مَنطِق “السَّماح، (الرُّخص)” لاستِعادة مَنطِق النِعمة: هذا هو مَنطق الحداثة الأوَّل لِعظمَةِ سِرِّ الزواج المسيحي، وفَهمهُ ليسَ صَعباً، لأنَّ مِنْ كلماتِ الرّب يسوع تَنبَثق أيضًا رؤية الحرّيَّة. حداثة الإنجيل – وهذا لا ينطبق فقط على الزواج المسيحي، ولكن أيضًا على أي اختيار آخر (بما في ذلك فيما يتَعلَّق باختيار العزوبة: متى 19: 10-12) تتكون بالتالي مِنْ مُعالجة تامَّة ومجموعة مِنْ دعوات مُختلفة في مشروع الله الخالق فيما يتَعلَّق بالاتحاد الزوجي. مِنْ وجهة النَظر هذهَ، تَعني كلمة “جديد” الأصيل: الجديد هوَ ما يعود إلى الأصول، في اليَقين الّذي يُبنى على إردة الله الخالق الّتي أظهرها هوَ بنفسِهِ مرَّة واحدة وإلى الأبد بما يَخصُّ سِر الزواج. هذا التصميم يشبه ذلك الطريق وتلك الظروف التاريخيَّة السلبيَّة للغاية الّتي عانى مِنْها الرّب، أنْ يظهر صبره اللانهائي للبشر: “وإذا كان الله غَضَّ نَظَرَهُ عن أزمِنة الجهلِ، فهو الآن يدعو النّاسَ كُلُّهم في كُلِّ مكانٍ إلى التوبة” (أعمال الرسل 17: 30) فعلى العائلة أنْ تعيش وتُعلن في حياتِها دائماً ما قاله القدّيس بولس في رحلتِهِ التَبشيريةَّ لأثينا: “فنحنُ فيه نَحيا ونتَحرَّك ونوجد” (أعمال 17: 28)، هذه هيَّ حداثة يسوع في نقلِنا مِنْ مَنطِق الإعلانات إلى مَنْطق النِعمة، مُعيداً إلى سِرِّ الزواج أصالتَه ومَفعوله.  

بقلم: الاب سامي الريس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …