يُحدثنا إنجيل اليوم بِمَقطع رائع عن الغُفران. الغُفران عمل ذو طبيعة إلهيَّة. يَمسُّ قلب المسيحيَّة الّتي تَكرز بِشَريعة المحبَّة وتُعلِن أنَّ الله مَحبَّة. ومع ذلك، بالنسبةِ للعَديدِ مِنَ الناس، فإنَّ الصَفح أو الغُفران صَعبٌ للغاية. مِثلما نَجد في تَصرُّف العَبد في الإنجيل: “ولكن ذلك العَبد خَرَج ووجَدَ عبدًا آخر رفيقَهُ كان مَديناً لهُ بِمئةِ دينار”، فماذا يفعل؟ “أمسَكَه وأخَذَ يَخنُقَه قائلاً: أعيد لي ما عليك”.
إنَّ رسالة الإنجيل تُربّي الإنسان على المغفِرة والرحمة والقُدرة على مَحبَّة الآخر، حتّى لو تَسبَّب في الإساءة.
بِمَثل المَدينَين، يُعلِّم يسوع أنَّ غُفران الله هوَ السبَب النهائي للغُفران الأخوي، الممنوح بِلا حدود وبدون شروط. والمثل نفسه هو أجمل تفسير لما نَطلبه مِنْ الله في صلاةِ الأبانا: “أُغفُر لنا ذنوبنا كما نحن نَغفُر للمذنبين إلينا”. نحن ندعو الله بثقة الأبناء: أبانا، نُصلّي أنْ يَرحمنا حتّى نكون نحن أنفُسنا رُحَماء مع الآخرين.
علاوة على ذلك ، فإنَّ هذا المثل، الّذي يَسود قِصَّة إنجيل اليوم، هو تعليق مُناسب على التَطويبة الخامسة: “طوبى للرُحماء، لأنَّهم سيُرحَمون”. بالإشارة إلى أنَّ الله الآب هو رحوم هذه الصفة الرائِعة والعظيمة لإلهنا الكامل، هيَ نوع مِنْ مُقارنة ومقياس غير مَحدود لِطريقةِ التَسامح مع الإساءات الّتي نَقوم بها تِجاهَه، وقِصَر أو عدم التَسامح لمَن يَسيء إلينا. حيث يؤكد يسوع مِنْ جديد ضمنيَّاً الشَد الأعظم الّذي يجب أنْ يُميّز حياتنا نحنُ المسيحيين، وهي خاصيَّة تَمَّ التَعبير عنها بالفعل في مَقولة مركزيَّة أُخرى في الموعظة على الجبل: ” كونوا كاملين كما أنَّ أباكم السَماوي كامل”.
لا شك في أنَّ التعليم المسيحي الّذي يدعونا إليه إنجيل اليوم في أول أيام الباعوثا هو: الالتزام بِمَغفِرة مُفرحة غير مَحدودة وسخيَّة. هذا هو معيار سلوك الله، ويجب أنْ يكون هذا هو معيار سلوك تلميذ المسيح. يمكن العثور على نموذج الغُفران في أسلوبِ يسوع الّذي يُرَحِّب بالخُطاة ويُعيد تأهيلهم إلى عيشِ حريَّة الأبناء، فمِنْ خلالِ الغُفران يمكِنُنا مَنح المجد لله الآب وللابن في جميعِ الأوقات.
الغُفران نتَعلّمه في العائلة هذا ما أكّدَه البابا فرنسيس حين قال:”لا توجد عائلة مثاليَّة. ليس لدينا آباء مِثاليون، لسنا مِثاليين، لا نَتزوج مِنْ شَخصٍ مِثالي، ليس لدينا أطفال مِثاليون. لدينا شكاوى مِنْ الآخرين. لقد خيبّنا آمال بعضِنا البَعض. لذلك، لا يوجد زواج سليم أو أسرة سليمة دون مُمارسة المغفرة. الغُفران أمرٌ حيوي لِصحتِنا العاطفيَّة وبقائِنا الروحي. بدون مُسامَحة، تَصبح الأُسرة ساحة نزاع وعِقاب. بدون الغُفران، تَمرَض الأُسرة. مَنْ لا يَغفر فليس له سلام بالروح ولا شركة مع الله. الألم سَمٌّ يُسكِر ويقتل. إبقاء الألم في القلب بادرة تُدمّر الذات. من لا يَغفر يَمرض جسديَّاً وعاطفيَّاً وروحيَّاً. ولهذا السبب يجب أنْ تكون الأُسرة مَكانًا للحياة وليس مَكانًا للمَوت، منطقة علاج وليس مكانًا للمرض، سيناريو المغفرة وليس مكان ذكر الذنوب. الغُفران يَجلب الفَرح حيث يولِدُ الألم الحُزن”.
بقلم: الأب سامي الريّس