قال البابا فرنسيس: “نَمُر جميعًا بلحظاتٍ مِنَ التَعب والإحباط، خاصة عندما تبدو صلاتنا غير فعّالة. لكن يسوع يؤكد لنا: على عكس القاضي الظالم، يَسمَع الله صوتَ أبناءِه على الفور، حتّى لو كان سَماعَه ليس في الأوقات والطُرق الّتي نرغب فيها. الصلاة ليست عصا سحريَّة! إنَّها ليست عصا سحرية! إنَّها تساعدنا على الحِفاظ على الإيمان بالله، وأنْ نوكل أنفُسنا إليه حتّى عندما لا نَفهم إرادته” (25 أيّار 2016).
لا نُريد أنْ نَخوض في مَعنى الصلاة حسب القدّيس لوقا وأهميَّتها في حياة يسوع. مِنْ المفيد لنا اليوم أنْ نتَناول هذهِ الإشارة الموجزة الّتي يُعلِنُها الرَب لِتلاميذه: “يجب أنْ يُصلّوا دائماً ولا يتعَبوا”.
في الواقع، الصلاة هيَ إصرار في الطلب، إنَّ تكرار الصلاة حتّى تُستجاب لا يعني تكراراً بلا نهاية، إلى حدِّ الملل. بل الصلاة الدائمة معناها أنْ نضع طلباتنا أمام الله على الدوام، بِغض النظر عن صِفتنا، هل نَعرف كيف نؤدّيها أو نُمارسُها، أو بأي شعور نقولها، هل بالجبر أم بِحرّيَّة وراحة. ولكن أيضاً مِنْ خلال المحاولة المُستَمرة للصلاة، أي محاولة الإستمرار في الصلاة بالرغم مِنْ صعوبتها.
أنْ نُصلي دائماً، ضد كُل مَنطِق يخبرنا بِعَدم القيام بها، وضد أي إحساس أو شعور بعدم جدوى الصلاة، هذا الشعور الّذي يُعطينا انطباعاً بأنَّنا في الواقع نتحدث مع أنفُسِنا. القديس بولس في رسالته إلى أهل رومة يقول: “كونوا فرحينَ في الرجاء، صابرين في الضيق، مواظبين على الصلاة” (رومة 12: 12).
أعتقد أنَّ هذا هوَ السبَب في أنَّ يسوع يروي قِصَّة هذه الأرملة الّتي تطلب العدالة من قاضٍ “لا يَخاف الله ولا يستَحي مِنْ أحد أي لا يَحترم أحداً”. أليس هذا الّذي نَحِسُّ بِه كثيراً في الصلاة؟ بدلاً مِنْ الشعور بِقَبولٍ كبير في الداخل نَشعر بالرفض. بدلاً مِنْ الشعور بالاستماع، نشعر بالتَجاهل. بدلاً مِنْ الحصول على العدالة، نتلقّى اللامُبالاة.
ولكن هل الأمر هوَ حقاً كذلك؟ هل مَشاعرنا حقَّاً صحيحة؟ يقول يسوع أنَّه حتّى لو كانت مشاعرنا صحيحة، فإنَّ الشيء الأكثر أهميَّة هوَ الإصرار. فقول قاضي الظُلم: “مع أني لا أخاف الله ولا أهاب الناس، فسأُنصفُ هذه الأرملة لأنّها تزعجني، وإلاَّ ظَلَّت تجيء وتُضايقُني”. إنَّه لا يتَدخَّل مِنْ أجلِ العدالة، ولا مِنْ أجل الرَحمة، بَل مِنْ أجلِ رَغبة الراحة.
إذا كان حتّى الشَخص السيئ قد قدّم تفكيراً مُشابهاً، فلنَتخيّل مَنْ هو بحكمِ التَعريف الرحمة والحب والصلاح والحنان والّذي أُعلن لنا ليس كإلهٍ بعيد، بل كعمانوئيل، الله معنا، وأكثر كالأب المحب، فإن كنا قد احسسنا بحبه لنا، فلنؤمن بأنَّه يسمع صراخنا.
قال الرب: “إسمعوا جيّداً ما قال هذا القاضي الظالم. أفلا ينصف الله مُختاريه الّذين يَصرخون إليه نهاراً وليلاً؟ وهل يُبطئ في الإستجابة لهُم؟ أقول لكم. إنَّه يُسرع إلى إنصافِهم. ولكن عندما يأتي ابن الإنسان، هل يجد إيمانًا على الأرض؟”. إنَّ الصلاة تتَطلب الإيمان، والكثير من الجُرأة. فعندما نحيا للرَبِّ يوماً فيوم، مؤمنين دائماً أنَّهُ يستَجيب، وعندما نحيا بالإيمان، لن نيأس أبداً، فمَجيء الرَب وملكوته مِنْ ثِمار الصلاة.
لا يمكن أنْ يكون الله بدون إحساس لِصرخة الفقراء الصادقة، فإنَّ الله قد يؤخر استجابته للصلاة، لكنَّه لا يتجاهلها، ينبغي أنْ لا نخلط بين التأخير والتجاهل. فبإلحاحنا في الصلاة تنمو شخصيَّتنا وإيماننا ورجاؤنا، فيصبح هذا الإيمان صلاة مُتواصِلة، ويصبح هو نَعَمنا لمجيئه. بالإيمان يمكن أنْ يتَحوّل التاريخ كله، مع يسوع، إلى صرخة تستَحضر العدالة للجميع.
يُعلِّق البابا فرنسيس على نهاية الفقرة: «ينتهي المثل بسؤال: “ولكن عندما يأتي ابن الإنسان، هل يجد إيمانًا على الأرض؟”. هذا السؤال يجعلنا جميعاً حذرين: لا يجب الكَف عن الصلاة حتّى لو لم يتِمّ الرد عليها. فالصلاة هي الّتي تحفظ الإيمان، فبدونِها لن يكون هناك إيمان! دعونا نطلب مِنْ الرب إيمانًا لا ينقَطع، صلاة مُستَمرة، مثل صلاة الأرملة في المثل، إيمان تُغذّيه الرغبة في مجيئه. ففي الصلاة نختبر شفقة الله الّذي يأتي مثل الأب المملوء بالحُب والرحمة ليلتقي بأبنائه».
هل لدينا الشجاعة على الرجاء والصبر حتى لو تأخر الله في فعل ما نطلبه؟
بقلم: الاب سامي الريس