تضع الكنيسة في فترة الصوم نصوصاً غنية كي نتأمل بمسيرتنا الإيمانية فنصلح فيها ما هو غير صالح فينا، من ثم نستطيع الاتحاد بالرب مشاركين إياه ذكرى آلامه وموته وقيامته. هكذا نقرأ في الأحد الثاني من الصوم هذه العونيثا (الترتيلة) في طقسنا الكلداني: “هلموا لنشكر ونمجّد جميعنا إلهنا الصالح بقدر استطاعتنا على معوناته لجنسنا. فأنه أكرم خِلقتُنا منذ البدء باسم صورته الكريمة. ولما حسد الشيطان عظمتنا وألقانا عن مجدنا، تجلى لنا وتكلم معنا بابنه الذي هو الوارث وأبو العالم العتيد. وبميلاده جمعنا من تيه الضلال إلى معرفة ألوهيته. واعتمدنا وأعطانا كنز البنوة الحقيقية، وصام وأولى ضعفنا شجاعة ليقوى على الشيطان. وبموته شجب الشرير ونصرنا وأقامنا ورفعنا معه إلى المجد”.
كلنا يعلم جيداً أن المدرسة مهمة جداً ففيها نتعلم أموراً كثيرة، نستفاد منها ونطبقها في حياتنا. لكن ننزعج من المدرسة في زمن الامتحانات لأنه إذا سئلنا في الامتحان لا نستطيع أن نجيب ونقول الجواب موجود في الكتاب، ومن يعمل هذا لا ينجح! لهذا نحن كلنا طلاب في مدرسة يسوع، وكل ما يطلبه منا الرب موجودٌ في الإنجيل، فهل نستطيع أن نجيب الرب يسوع عندما يسألنا في يوم القيامة بأن كل شيء موجود في الإنجيل؟
المسيحي الذي لا يطبق كلمات الرب هو كالذي يريد أن يبني بيتاً جميلاً، يذهب في البداية إلى المهندس المعماري كي يخطط له نموذجاً ومن ثم يأخذ النموذج ولا يطبّقه بل يعمل ما يريده هو بالتالي يفشل في أن يكون بيته رائعاً، أو سيكون هناك خللا ما في البيت! ما أريد القول هنا أن الإنجيل بالنسبة لنا هو خريطة بناء لإيماننا المسيحي.
كثير من الأحيان نستطيع أن نتكلم عن إنجازاتنا وقدراتنا، نستطيع أن نتحدّث عن أمور سياسية نحللها نحن حسب نظرتنا لكن بالواقع نحن لسنا سياسيين. نستطيع أن نتحدث عن الله وغفرانه، لكننا لا نعرف معنى الغفران، نتحدث عن الإيمان ولا نعرف ما هو إيماننا الحقيقي. الرب يسوع ينبهنا هنا جيداً على أن مَن يدخل في مدرسته عليه أن يعمل أو يتصرف مثلما يريد هو، لهذا فهو يطلب منا أن نطبّق كلمته في حياتنا. لهذا في هذا النص يكشف لنا يسوع على أن كثير من اليهود كانوا يبدون من خلال كلامهم بأنهم مؤمنين، لكن بالواقع ليس لهم أي معرفة إيمانية! ربما نحن كذلك؟! الفريسيون كانوا يعتقدون بأنهم صالحين في نظر الناس وهم متدينين، فأنهم سيكافئون بحياة أبدية، هذا ما لم يقبله الرب يسوع فخلق له مشكلة كبيرة معهم، فيتآمرون على قتله! ونحن ماذا نفعل عندما يوبخنا الرب؟
مَن يسمع كلماتي يقول الرب يسوع “يبني بيته على الصخرة” تنهار حياة الإنسان الجاهل كما ينهار البيت المبني على الرمل، لا يرغب أيٌ منا أن ينهار بيته، ولا يقبل أن يقوم المهندس ببناء بيته على أسس واهية. كما لا يرغب الإنسان أن تنتهي حياته في النار الأبدية، بل الكل يرجو رؤية وجه الله، أي أن يتنعّم بالحياة الأبدية.
في المزمور الأول نقرأ: “1 طوبى لِمَن لا يَسيرُ على مَشورَةِ الشِّرِّيرين ولا يَتَوَقَّفُ في طَريقِ الخاطِئين ولا يَجلِسُ في مَجلِسِ السَّاخِرين 2 بل في شَريعةِ الرَّبَ هَواه وبِشَريعَتِه يُتَمتِمُ نَهارَه ولَيلَه. 3 فيَكونُ كالشَّجَرَةِ المَغْروسةِ على مَجاري المِياه تُؤْتي ثَمَرَها في أَوانِه ووَرَقُها لا يَذبُلُ أَبدًا. فكُلُّ ما يَصنَعُه يَنجَح.4 لَيسَ الأَشْرارُ كذلك. بل إِنَّهم كالعُصافةِ الَّتي تَذْروها الرِّياح. 5لِذلك لا يَنتَصِبُ في الدَّينونةِ الأَشْرار ولا الخاطِئونَ في جَماعةِ الأَبْرار 6 فإِنَّ الرَّبَّ عالِمٌ بِطَريقِ الأَبْرار وإنَّ إِلى الهلاكِ طَريقَ الأَشْرار”. فترة الصوم هذه هي فترة تباعة الله بالتأمل في كلماته، عندما نقول تأمل يعني أن نخصص وقتاً في قراءة كلمة الله والتفكير فيها، وكيف يجب أن تتغير حياتي كما يريدها الرب.
لذا الرجل العاقل يبني بيته على الصخرة التي هي المسيح. هذا يعني أنه يطبّق كلمة الرب في حياته، فيكون كالشجرة التي تمتص المياه وتعطي ثمراً صالحاً. الرجل العاقل لا يخالط الأشرار كي لا يقع فيصبح كالعُصافة (التبن). الرجل الصالح هو مَن لا يفقد الأمل بأن الرب هو المخلص وهو الحياة، وهو واهب الفرح. فهو داخل في سر المسيح وصادق في إنسانيته، هو الذي يقف أمام الله مع ما يحمله في صلاته من همومه وهموم الآخرين.
الرجل العاقل هو الإنسان المؤمن الثابت والذي يرتوي من ماء المعمودية، الرجل العاقل هو البار الذي يدرك أن إنسانيته لا تكتمل إلا بحسب إرادة الرب، وهو ليس إنساناً مزاجياً يتأثر بتقلبات الأيام.
في طقسنا نقرأ أيضاً: “عظيمة ومجيدة وفاضلة هي قوة الصلاة الجبارة، بها ظفر الأتقياء الذين أحبوها بكل المحاسن وزيّنوا ذواتهم، بها الأنبياء القديسون قبلوا التجلّيات وعملوا المعجزات وكشفوا الخفايا وأعلنوها. وربنا في بشارته علمنا أن نقدم الصلاة لله باستمرار، بها تعطى كل الخيرات للبشر، وبها قبلوا المبشرين بكلمة الحياة والرسل الذين اختارهم قوة الروح فتلمذوا كل الأمم. ونحن يا أخوتي هلّموا نسأل مغفرة الذنوب بالصلاة وندعو المراحم لعوننا قبل أن يُظلم النور”.
فالسؤال الذي يجب أن نسأله هذا الأسبوع هو: “أي إنسانٍ أريد أن أكون؟ آمين
بقلم: الاب الدكتور سامي الريس