عدو في أرض المعركة . .
منقذ في أرض الأسر . .
صديق في أرض المهجر . .
في أحدى الحروب الطاحنة التي أستمرت لسنوات طويلة بين البلدين الجارين، كان وقود وسعير تلك الحرب الشرسة البشر من المقاتلين على جبهات القتال والقصف الجوي على الأحياء والدور السكنية والمنشأت المدنية والعسكرية في المدن والقرى، وبعد أنتهاء تلك الحرب خلفت ورائها كواكب من الشهداء والجرحى والمعقوقين والأرامل والأيتام، ودمرت البنية التحتية لكلا البلدين.
في أحدى المعارك خلال تلك الحرب الضروس التي أستمرت أيام وليالي، وبعد أن أنجلى غبار ودخان المعركة، تم أجلاء الشهداء والجرحى، وكان من بينهم جريح من العدو المقابل تم أسره في أرض المعركة وأنقاذه وتضميده من قبل عدوه، ولكن أحد مضمدي العدو أعتنى به كثيراً حتى أوصله الى موقع الطبابة الأول من أرض المعركة ومنها الى المستشفى القريب من المدينة، ومنذ ذلك الوقت تفارقا عن بعضهما البعض ومرت سنوات العمر، حتى جاءت صدفة اللقاء مرة ثانية! ولم تكن صدفة اللقاء هذه المرة على أرض المعركة ولا على أرض الأسر، ولكن كان اللقاء على أرض المهجر، وبرغم من تلك السنوات الطويلة من الفراق، لكن كانت توجد بعض ذكريات وعلامات الحرب متعلقة في الأذهان.
في أرض المهجر رأى المضمد ذلك الأسير في أحدى الأسواق، وهو متأكد مَن هو ولكن بقية بين الشك واليقين، وفي المرة الثانية بعد أن شاهده تجرأ وتقدم اليه بتحية وسلام ليتقرب منه، وسأله من أي وطن أنتَ ولكن بلغة المهجر.
أجابه: أنا من الوطن . . وأنتَ . .!
أجابه وقال له: أنا من الوطن . .!
قال المضمد هل تعرف مَن أنا؟
قال له: لا: أعتقد، لم التقي معكَ.
قال المضمد: تذكر منذ سنوات طويلة نحن تقابلنا لكن ليس هنا ولكن في مكان أخر.
أجابه: عذراً لا أتذكر من أنتَ مع أحترامي لكَ.
قال المضمد: هل تسمح لي أن أرى كتفكَ الأيمن، وعندما أرئها أقول لكَ مَن أنتَ ومَن أنا!
أجابه نعم: بعد أن رفع ردن قميصه الى الأعلى.
قال المضمد: بعد أن شاهد أثار جروح الأصابة باقية الى حد الأن على كتفه، سأله مرة أخرى: أين جُرحت؟
أجابه: في الحرب منذ سنوات عندما كنتُ مقاتل أدافع عن وطني، وقعتُ جريحاً في أرض المعركة وتم أسري.
قال المضمد له: مَن ضمد لكَ هذا الجرح في أرض المعركة.
قال: أحد مضمدي العدو وأعتنئ فيه، وشاكراً له كثيراً.
قال المضمد: أنظر جيداً لي، أنا هو. بشعور عفوي حضن الواحد الأخر مع قُبل ودموع الفرح باللقاء مرة أخرى.
بعدها عادت بعض ذكريات حرب الأعداء عندما قدموا زهرة شبابهم من أجل الدفاع عن الوطنين، وينطبق المثل القائل: (بعد العداوة حلاوة، وبعد الحلاوة عداوة). ومن ذلك الوقت أصبحوا ليس أصدقاء بل أخوة وزادت وتوثقت علاقتهم العائلية.
فهل أرض المهجر زرع الحُب والتاخي والسلام في قلوب الأعداء، وهو شيئ جميل جداً؟ بعد أن هاجر بعض من شعب البلدين من كثرة الحروب والنزعات والأضطهادات في بلدهما بعد أن قدموا الغالي والنفيس من أجل وطنهم، واليوم يعيشون في أرض المهجر وسواعدهم وسواعد أولادهم وأحفادهم تبني بلدهم الثاني بل أصبح وطنهم الأول بعد أن قدم بلد المهجر والغربة بكل محبة وعطاء وسخاء الضمان والسلام والأمان والأسقرار والحياة الرغيدة، برغم من صعوبات الغربة، هي أفضل من الحروب والمعارك وعدم الأستقرار والأمان.
مهما أشتد عنف وشراسة الأنسان في أقوى الظروف القاهرة الصعبة تبقى في أعماق قلبه وضميره ووجدانه الطيبة والرحمة والمحبة مهما كان أنتمائه الوطني والديني والعقائدي، لآنه أنسان.
طوبى لصانعي المحبة والسلام والبناء من أجل سلامة جميع شعوب العالم وبناء وأزدهار الأوطان.
شامل يعقوب المختار