عيد العنصرة

ماذا حدث في ذلك اليوم؟  

كلّهم كانوا مملؤين من الروح القدس، وأخذوا يتكلّمون بلغاتٍ غير لغتهم …  

إذن قوة غيّرت العالم كلّه حتى التلاميذ… فما الذي حدث؟ الروح القدس يهب حب الله الذي يغيّر العالم كلّه. هكذا أصبحت كلمات المسيح حيّة في الرسل والمؤمنين، فأصبحوا يفهمون الواحد الآخر ويحبون بعضهم بعض.  

عيد العنصرة يكشف للعالم كلّه سر الثالوث سر الحب. هذا الثالوث هو مثل ينبوع الحياة الماء، النور …  

العنصرة هو يوم تجسّد حب الله في البشر. لهذا كان القديس البابا يوحنا بولس الثاني يقول دوماً “لا تخافوا من أن تفتحوا الأبواب للمسيح كي يدخل في حياتكم”. مَن يدخل المسيح في حياته لا يخسر شيء بل فقط وبواسطة صداقته مع الرب يسوع يستطيع أن يعبّر عن المحبة.  

نعم علينا أن لا نخاف من أن يدخل المسيح في حياتنا فهو لا يقلل من حريتنا، ولا يقلل من قيمة حياتنا وشخصيتنا، لأن الحياة عطاء دائم. مثلما وهب حياته لأجل العالم هكذا يريد من تلاميذه ومنا نحن أن نفهم معنى الحياة في العطاء. فالمزمّر يقول: “الرب راعي فلا يعوزني شيء، في مراعٍ خصبة يُريحني ومياهاً هادئة يُوردُني” (مز 23). لهذا يجب علينا أن نطلب من الروح القدس أن يهبنا نعمة إدراك معنى الحياة والحرية.  

الحرية هي ليست مثلما يعتقد البعض كما هو الحال في قصة الأبن الضال (لوقا 15). الذي خرج من بيت أبيه ليبحث عن الحرية، لأنه لا يريد أن يكون أحد فوقه، ثم اكتشف أن خروجه كان فقدان للحرية. كل إنسان يقول أنه حر فيعمل ما يريد دون وعي ومسؤولية فهو لا يدرك معنى الحرية.  

عندما يتحدّث القديس بولس في رسائله عن نعمة الروح فهو يشير إلى أننا لم نستلم روح العبودية بل روح الحرية، لأن الحرية الحقيقية هي في تحمّل المسؤولية، مسؤولية بناء العالم. لهذا الروح يجعلنا أبناء الله فنكون شركاء في عملية خلق العالم وجعله أكثر جمالاً.  

في صلاتنا الطقسية نطلب ونقول تعال أيها الروح الخالق. نعم تعال أيها الروح وحوّل الفوضى الموجودة في حياتنا إلى تناغم الحب.  

هذا هو حدث العنصرة: أن يجدد الروح العالم كلّه ويجعله واحداً بمحبة الله وحكمته. فالروح يدعونا إلى مخافة الله، والكتاب المقدس يقول رأس الحكمة مخافة الله.  

الروح القدس يحملنا إلى أن نعيش حياة حقيقية وحرية حقيقية. فالرب يسوع قال: “أتيت لكي تكون لهم الحياة وأوفر”. فما هي هذه الحياة؟ أين نجد الحياة وقيمتها؟ لنرجع مرة ثانية إلى مثل الأبن الضال الذي يجسّد حياتنا نحن أيضاً. بعد الإبتعاد عن بيت الآب لا يجد الحياة، بل الموت، لذا يقرر العودة إلى البيت لأن في البيت هناك الحياة. فالحياة خارج البيت لا معنى لها وهذا يعني أنه فقد حريته الحقيقية وعاد إلى العبودية.  

هذا ما يقوله الرب يسوع لنا في هذا اليوم الروح القدس يعلمنا كل شيء ويذكرنا بما قاله يسوع. الروح يذكّرنا بأن يسوع بذل ذاته لأجلنا كي يهبنا الحياة.  

اليوم يجددنا الروح القدس بمواهبه علينا فقط أن نكون من المصغين لكلمة الرب ونؤمن بأن البقاء في بيت الآب يمكننا أن ننال نعمة الروح القدس. فالروح يهب حيث يشاء لكن مَن يقبل هذا الروح هو فقط مَن سيعرف معنى الحياة والحرية والمسؤولية.  

بقلم: الاب الدكتور سامي الريس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

ابن الله في العهد القديم

في اللغة العبرية لا تعبر لفظة ابن عن القرابة المباشرة فحسب إنما تعني أيضاً إما …