تدور فكرة إنجيل الأحد الثاني من تقديس البيعة على نقطتين مهمّتين:

أولاً: الأمتناع عن العمل

منعت الشريعة العمل يوم السبت. ولهذا التقييد وجه إنساني، إذ مُنحَ للمؤمنين كلّهم وللعبيد أيضاً وحتى البهائم حق الاستراحة يوم السبت. هذه الوصية نمت وازدادت في شعب الله مذكّرة أياه بأنه يوما ما كان عبداً في مصر: “واذكُرْ أَنَّكَ كنتَ عَبْدًا في أَرضِ مِصر، فأَخرَجَكَ الرَّب إِلهُكَ مِن هُناكَ بِيَدٍ قَوِّيةٍ وذِراع مَبْسوطة، ولذلكَ أمَرَكَ الرَّب إِلهُكَ بِأَن تَحفَظَ يَومَ السَّبْت” (تث 5: 14-15).

لقد أمْلت هذه الفريضة رحمة الله الواسعة كونه يفضّل الرحمة على الذبيحة. “داود حين جاع” تفهم هذه العبارة بالنسبة ليسوع: “مَن يتجاسر فينتقد داود؟” تلاميذه حين جاعوا تصرّفوا مثل داود … لهذا يطلب يسوع من الفريسيين ألاَّ يُزيدُ قائمة الفرائض والأمور والنواهي لأنهم بذلك يخرجون عن روحية الشريعة.

ثانياً: تقديس السبت

السبت (الأحد) هو يوم مكرّس لله، فيه تُذكر الأعمال الجبّارة التي أكملها الله من أجل خير الشعب. لذا لأبد من التأمل بالكتاب المقدس وتلاوة المزامير بشكل أكثر من اليوم الاعتيادي. لهذا إذا كان المؤمن يقرأ الكتاب المقدس ويتأمل به عليه أن يتوقّف عن العمل بكل أنواعه: “أُذكُرْ يَومَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَه. في سِتَّةِ أيامٍ تَعمَلُ وتَصنَعُ أَعمالَكَ كلَّها. واليَومُ السَّابِعُ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ، فلا تَصنَعْ فيه عَمَلاً أَنتَ وآبنُكَ وآبنتُكَ وخادِمُكَ وخادِمَتُكَ وبَهيمَتُكَ ونَزيلُكَ الَّذي في داخِلِ أَبوابِكَ، لأَِنَّ الرَّبَّ في سِتَّةِ ايامٍ خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرضَ والبَحرَ وكُلَّ ما فيها، وفي اليَومِ السَّابعِ آستَراح، ولِذلك بارَكَ الرَّبُّ يَومَ السَّبتِ وقدَّسَه” (خروج 20: 8-11).

المسيحية التي إنحدرت من الأغلبية اليهودية، إلتزمت في باديء الأمر بالسبت، لكنّها وجدت أن يسوع المسيح قام يوم الأحد فغيّرت ووسّعت مفاهيمها نحو الاحتفال بيوم الأحد لأسبابٍ عديدة منها: أن القيامة أظهرت جلياً آلوهية المسيح وفرضت نفسها، فالرب يسوع يقول: “لقد أُعطي لي السلطان على ما في السماء والأرض” (متى 28: 18).

أن أحداث الخلاص الكبرى التي حدثت في العهد القديم ها هي تكتمل وتصل ذروتها بيسوع المسيح. في إشعيا نقرأ: “هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه رب الجنود. أنا الأول وأنا الآخر” (إشعيا 44: 6). وفي سفر الرؤية يطبّق كل هذه الأوصاف على يسوع المسيح: “فاختَطَفَني الرُّوحُ يَومَ الرَّبّ، … فلَمَّا رَأَيتُه ارتَمَيتُ عِندَ قَدَمَيه كالمَيْت، فوَضَعَ يَدَه اليُمْنى علَيَّ وقال: لا تَخَفْ، أَنا الأَوَّلُ والآخِر، أَنا الحَيّ. كُنتُ مَيتًا وهاءَنَذا حَيٌّ أَبَدَ الدُّهور. عِنْدي مَفاتيحُ المَوتِ ومَثْوى الأَموات” (سفر الرؤيا 1: 10، 17-18).

يؤكّد متى في سرده قيامة الرب: “ولمّا مضى السَّبتُ وطَلَعَ فَجرُ الأحد” (متى 28: 1)، فوجب على المسيحيين أن يحتفلوا يوم الأحد.

دم المسيح أصبح “دم العهد”. في العهد القديم كان هناك عهد بين الله والشعب: “فأَخَذَ موسى الدَّمَ ورَشَّه على الشَّعبِ وقال: ((هُوَذا دَمُ العَهدِ الَّذي قَطَعَه الرَّبُّ معَكم على جَميعِ هذه الأَقْوال))” (خر 24: 8، راجع إرميا 31: 31-34)، متى يضع في نص عشاء الرب نفس الكلمات: “ثُمَّ أَخَذَ كَأساً وشَكَرَ وناوَلَهم إِيَّاها قائلاً: ((اِشرَبوا مِنها كُلُّكم فهذا هُوَ دَمي، دَمُ العَهد يُراقُ مِن أَجْلِ جَماعةِ النَّاس لِغُفرانِ الخَطايا))” (متى 26: 27-28).

إذن الأحد وتقديسه يعطي للمؤمن الحقيقي معانٍ كثيرة: أنه يوم الخلاص يوم الأتحاد بالرب القائم من بين الأموات، لهذا الاشتراك في الذبيحة الإلهية هو الإشتراك في عهد الرب.

بقلم: الأب الدكتور سامي الريّس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …