الكاهن الصياد

كلمة صياد: تأتي من فعل يصيد، حرفة الصيد هي أقدم حرفة أمتهنها الإنسان وتحثنا كلمة صياد وفعل الصيد على أنتهاز الفرص للقبض على فريستهُ لحاجتهُ الغذائية والأساسية لديمومة حياتهُ. كما قال السيد يسوع المسيح: للقديس بطرس صياد السمك، سوف تكون صياد للبشر تصطادهم للخلاص وللحياة الأبدية، فالصيد يعلمك الرجاء والأتكال على العناية الألهية، ويعلمك أن الصيد كل يوم في مسيرة صيدك، سوف تصطاد انواع كثيرة أو قليلة من الأسماك وتكون مختلفة الألوان والأشكال والأحجام، هكذا البشر مختلفين في بشرتهم ولغتهم وثقافتهم وقوميتهم . .الخ.

يَحُثُّ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَأَنْدَرَاوُسَ:‏ هَلُمَّ وَرَائِي،‏ فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيْ نَاسٍ.‏ ثُمَّ يُوَجِّهُ ٱلدَّعْوَةَ نَفْسَهَا إِلَى صَيَّادَيْنِ آخَرَيْنِ،‏ هُمَا يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ٱبْنَا زَبَدِي.‏ فَيَتَجَاوَبَانِ أَيْضًا دُونَ تَرَدُّدٍ.‏ وَهٰكَذَا يَتْرُكُ هٰؤُلَاءِ ٱلْأَرْبَعَةُ شُغْلَهُمْ وَتِجَارَتَهُمْ بِصَيْدِ ٱلسَّمَكِ وَيُصْبِحُونَ أَوَّلَ تَلَامِيذَ يَتْبَعُونَ يَسُوعَ كَامِلَ ٱلْوَقْتِ.‏ متى4: 19.

لماذا قال السيد يسوع المسيح للتلاميذهُ الأولين: كان بعضهم صيادي أسماك، وقال لهم: تعالوا أتبعوني وسأجعل منكم صيادي بشر، لكي يصطادوا نخبة معينة من البشر ليبشروا جميع الناس ببشارة الأنجيل في الأرض، ومنهم المرضى والمقعدين والجياع والحزانى قبل غيرهم، إذ هو قال: إني لمثل هؤلاء أتيت، إذ الأصحاء لا يحتاجون إلى طبيب. وكانت مهنة الصياد من أرقى المهن في ذلك الزمان والمكان.

بعد أنتشار الأيمان بمبادئ السيد المسيح وتعاليم المسيحية في أرجاء العالم، كان طفل ينتمي الى عائلة مؤمنة متوسطة الحالة متكونة من عدد أطفال، ولكن كان أحدهم منذ نعومة أظافره قد تأثر من تعليم أبوه وأمه الصلاة والصوم والأيمان لذهابهم كل يوم أحد الى الكنيسة، نمت تلك البذرة الصغيرة الصالحة في تربة جيدة فيها روح ونور الأيمان، وبعد دخولهُ دورة دروس التعليم المسيحي والتناول الأول وتناول دم وجسد الرب يسوع في ذلك القداس الألهي الأحتفالي، تفتحت مداركه أكثر، وكان الداعم الرئيسي في حياتهُ راعي خورنتهُ في منطقة سكناهُ ومتابعتهُ وتشجيعهُ ودعمهُ المستمر لهُ، حيث أكمل دراستهُ وحصل على شهادة التخرج الجامعية، وخدم خدمته العسكرية لحاجة الوطن في وقتهُ، وتسرح بدون عقوبة ومخالفة لأنه كان مؤدباُ ومطيعاُ، بعدها عاد الى حياتهُ وكنيستهُ وعملهُ ليجني لقمة عيشهُ ودراستهُ ومساعدة أسرتهُ.

بعد ذلك أتخذ قرارهُ الثابت وهو في ريعان شبابه وعطاءهُ أن يدخل سلك الكهنوت ويترك الحياة الأخرة، متأثراُ بالقديس بطرس الصياد وكيف يصبح صياد بشر مثلهُ، وقد ساعده راعي خورنته بالفعل وقدم طلبهُ لكلية الكهنوت والسمنير وتم قبلوهُ في بلده ذات التاريخ العريق بالأيمان منذ أنبثق نور الأنجيل وأنتشار المسيحية فيها، وتخرج من الكلية ورُسم كاهن، وعمل وخدم مذبح الرب مع أساقفة وكهنة وشمامسة أقدم منه عمراً وخبرة وتعلم منهم الكثير، بعد ذلك تم تعينه كاهن في أبرشيات مختلفة داخل وطنه.

بعدها أرسل من قبل أسقفيتهُ للأكمل دراستهُ الأهوتية في أحدى جامعات الفاتيكان في روما وتخرج منها وحصل على شهادة جامعية منها. بعد عودته الى وطنه خدم ككاهن في كنائس مختلفة، وبعد فترة من الزمن تم نقله وتعين الى أبرشيات أخرى خارج وطنهُ الأم، بعد سنوات من أقامته وأستقراره في أحدى تلك الأبرشية، قدم طلب الى أحدى الجامعات في ذلك البلد لكي يكُمل تعليمهُ ودارستهُ الجامعية، وقد أختيارهُ أختصاص قريب من دراستهُ الكهنوتة والرعوية التي تهتم بالأمور الأنسانية والأجتماعية، وكان ذكي يتقن أكثر من سبعة لغات، وحُبهُ الكبير للمطالعة والمعرفة ثابر بكل جهد للأكمال دارستهُ بالرغم من كل مسؤوليتهُ الرعوية وأموره الأخرى، وكان يخدم بجهد كبير وبكل مصادقية ونزاهة بعيداً عن المناصب والمقاعد والأمور المالية.

بعد أن أكمل دراستهُ الجامعية تخرج منها وعمل باحث ومرشد أجتماعي ونفسي في أحدى المؤسسات الأجتماعية لحل مشاكل العوائل وعامة الناس من مختلف الأجنسيات والقوميات في ذلك البلد، وكان سبب نجاحهُ وتعينهُ في تلك المؤسسة لكونهُ جامعي وأكاديمي وأجتماعي ويمتلك ثقافة مجتمعية واسعة عامة، وساعدتهُ أكثر لأنهُ يتقن ويتحدث ويكتب ويقراء لغات كثيرة كما أشرنا أعلاه، ومن خلال أسلوبه الهادى والموضوعي الصريح غير بعض من التقى معهم داخل مؤسسة عمله أو خارجها عند التقى معهم في المكان والوقت المناسب والملائم والأحتفاظ بأسرارهم وما يعانون من مشاكل شخصية وعائلية ومجتمعية وأضطرابات نفسية، وكان يقدم كل أنواع المساعدة بقدر المستطاع، وكان أسلوب وحديث سلوكه المتميز غير أطباع سلوكيات مَن التقى معهم نحو الأفضل وغير طرق أفكارهم وحياتهم الذين كانوا يعانون منها ويشرح لهم ما هي الحياة وكيف نعيشها بالأيمان والرجاء الحقيقي الذي يبدأ من أحترام الأنسان نفسهُ أولاً، والأنسان الأخر ضمن عائلتهُ ومجتمعهُ الذي يعيش فيه ضمن كل معتقد ودين ومن عادات وتقاليد وأعراف وثقافات، وكان يقدم الأدلة والبراهين والأثباتات لهم وأن يبحثوا هم بأنفسهم، وأن يعشيوا الحياة دائما بالأمل والرجاء الجميل، وقد تغير كثيرين نحو الأفضل وتقديم الأحسن لهم الى عوائلهم وكل من يلتقون معهم، وكان البعض خارج رعيته يحضرون القداديس أو المحاضرات التي يرعها، لأنه كان يربط مواعظهُ وكرازته في كل قداس أو محاضرة بمفاهيم ومضامين أنجيلية وأنسانية وحياتية بين الماضي والواقع الحالي الذي يعيشهُ الأنسان.

بعد عملهُ الدؤوب لسنوات طويلة وأحترامهُ مختلف شرائح المجتمع ومن كافة الأعمار بسبب أخلاقيتهُ وأسلوبهُ المتواضع البسيط، صعد نجم عطاءهُ بين مجتمعهُ داخل كنيستهُ التي يخدم فيها ومؤسستهُ الذي يعمل فيها، ومدينتهُ وخارجها لما حققهُ من بناء الأنسان قبل البنيان. وقفت شريحة ضئلية من المغرضين ليكونوا حجر عثرة ووضعوا عيدان الخراب والغيرة والحسد في عجلة الدولاب في طريق مسيرتهُ وتقدمهُ وبمساعدة كل من حوله بمثابرة ونزاهه وحرص التي تعلمها في حياته وأتى هذا من أيمانه الثابت وطاعته الوديعة ورجاءهُ السعيدة الذي تعلمها من معلمهُ الأول الرب يسوع المسيح، وصياد البشر القديس بطرس، وأيضا من عائلتهُ ومن كنيستهُ الذين كانوا الدور الفاعل في حياتهُ.

أما المغرضين كانت لهم أقوال بدون أفعال مثل الصحون الفارغة لديها أصوات مغرضة، وبعدها سكتوا. الغيرة والنميمة والحسد أمراض خبيثة بعيدة عن الأيمان والفهم والحقيقة، وسوف تفشل الضغينة في وقتها، أن لم تكن اليوم، سوف تكشف وتفشل غداً أو أجلاً أم لاحقاً. حجار العثرة كانت متنوعة الأحجام ومختلف الأشكال أدارية ورعوية وأخرين من كان قريب ومن كان بعيد عنه، في طريق عملهُ وخدمتهُ وكل هذه العثرات لأنهُ قال: كلمة الحق بتقديم الدلائل والبراهن والوثائق ومن خلال حديثهُ ومخاطباتهُ. وعندما وصل الخبر الى رؤوسائهُ بدلاً من تكريمهُ وترقيتهُ لمنصب أعلى وهو الذي لا يتمناه فهل قادتهُ نكروهُ مثل بطرس عندما نكر معلمهُ التي تعلم منه! أما القادة الصالحين يهتمون بمصالح رعيتهم وشعبهم قبل مصالحهم، ويكونوا قدوة صالحة ونموذج يقتدي به أجيالهم الحالية والقادمة.

وأستمر ذلك الكاهن الصياد بمسيرة طريقة بوفاء وأخلاص في عمله وخدمتهُ بصمت وهدوء وأيمان وبدون تقاعس وكسل وتواصل في تقديم خدماته وأعمالهُ ورسالتهُ منذ أيمانه الأول بالسيد يسوع المسيح والقديس بطرس الصياد، ولم يهرب من صليبهُ بل وضعهُ على منكبيه وسار في طريقه، وبنى كنيسة البشر قبل كنيسة الحجر، وأستمر في طريقةُ وكان أكثر يقظاً في مسيرة طريقة والحذر من الأشواك ونبات الزوان بنور معلمه السيد يسوع المسيح، وحصد حنطتهُ من تلك الآرض، حتى وصل في مشوار خدمته الى رُسم أسقف وكان فخراً لى كنيستهُ وأخوته الكهنة من دورتهُ الأهوتية ورعيتهُ وأصحابهُ التي تحترمهُ وتقدرهُ.

شامل يعقوب المختار

عن شامل يعقوب المختار

شاهد أيضاً

الكنعانيون

سفر تثنية الاشتراع 23 / 13 – 14 وليكن لك خلاء خارج المخيم تخرج إليها …