الأحد الثالث من البشارة … عيد ولادة يوحنا المعمدان

إنه عيد قديم يعود إلى القرن الرابع الميلادي. حيث وضعت الكنيسة ولادة يوحنا المعمدان قبل ولادة يسوع إحتراماً للتسلسل الزمني الموجود في إنجيل لوقا الذي يُخبرنا بأن الملاك الذي أُرسل لبشارة العذراء قال: “ها قريبتُكِ أليصابات حُبلى بابنٍ في شيخوختها، وها هو شهرها السادس” إذن يمكننا أن نقول أن ولادة يوحنا تسبق ولادة يسوع بستة أشهر. نحن بالواقع لا يهمّنا التوقيت بالضبط. ما يهمنا هو أن تاريخ الخلاص بدأ بولادة يوحنا الذي يُهيّئ لقدوم المسيح. بالطبع، التواريخ لها قيمة ليتورجية ورمزية وليست تاريخية. نحن لا نعرف بالضبط يوم وسنة ولادة يسوع، وبالتالي لا نعرف حتى يوم مولد المعمدان. لأن هذا لا يُغيير؟ الشيء المهم بالنسبة للإيمان هو حقيقة أنه ولد، وليس متى وُلد.  

يتحدث مقطع الإنجيل عن اختيار اسم يوحنا. ولكن من المهم أيضاً قراءة المزمور 139: “ما خفِيت عِظامي عليكَ، فأنتَ صَنَعْتني في الرحِمِ، وأبدَعتني هُناك في الخفاءِ. رأتني عيناكَ وأنا جنينٌ، وفي سِفرِكَ كُتِبَت أيامي كُلُّها وصُوِّرَت قبل أنْ يكونَ منها شيءٌ” (مزمور 139: 15-16). كما يقول أشعيا النبي: “الربُّ دعاني من رحم أُمَّي، ومن أحشائِها ذكرَ اسمي” (إشعيا 49: 1). من هنا نفهم أن الكتاب المقدس يُعلن وبوضوح بأنَّ الله يعرفنا ونحن في رحم أمُّهاتنا.  

هنا صورة رائعة جداً عن إلهنا صورة تُظهر مدى حبّه للبشر. فإذا كان الطفل يكتسب كرامته كشخص منذ اللحظة المعترف بها من قبل السلطات البشرية. بالنسبة للكتاب المقدس، الشخص هو الذي يعرفه الله، الشخص الذي يناديه الله بالاسم؛ والله، يُطمئنُنا، فهو يعرفنا من رحم أمنا، وعينُه ترانا ونحن مازلنا في رحم الأم.  

يخبرنا العلم أنه يوجد في الجنين، إنسان المستقبل بالكامل، مصمم بكل التفاصيل؛ يضيف الإيمان أنه ليس مجرد مشروع غير واعٍ من الطبيعة، أنه مشروع حب الخالق. ولكي نفهم الفرق بين ما يُقدّمه الكتاب المقدس والعلم عن الإنسان، يمكننا أن نقرأ ما يُقال عن رسالة القديس يوحنا المعمدان والتي تتوضّح بكاملها، يوم ميلاده على لسان أبيه زكريا: “وأنت، أيها الطفل، نبيَّ العليَّ تُدعى، لأنك تتَقدَّمُ الرَّبَّ، لتُهيّئَ الطَّريقَ لَه …”. ما الذي نُعلنه نحن في ولادة طفل لنا؟ سؤال عيلنا أن نتأمل به!  

عن ولادة يوحنا المعمدان، قال الملاك لزكريا: “سَتَلِدُ لك امرأتكَ أليصابات إبناً تُسمّيه يوحنا. وستَفرَحُ به وتبتهجُ، ويفرحُ بمولده كثيرٌ من الناسِ” (لوقا 1، 13-14). بالفعل ابتهج الكثيرون بمولده، إذا كُنَّا بعد أكثر من عشرين قرناً ما زلنا نتحدث عن هذا الطفل. فكم بالأحرى فرح ذلك الزمان؟ لنفرح نحن أيضاً بولادة كل طفل لأنه علامة حب الله والعهد المقدّس الذي قطعه مع آبائنا إلى الأبد!  

وأنت، أيها الطفل، نبيَّ العليَّ تُدعى”  

إذن نحتفل بمولد يوحنا المعمدان. يحاول الله خدمة الإنسان من خلال الإنسان نفسه. أنه معنا ولنا يريد أن يحقق مشروع الخلاص. هذا ما يقوله القديس بولس: “إلاَّ أن الله اختار ما يَعتبرُهُ العالم حماقةً ليُخزي الحكماء” (1 قورنثوس 1: 27). إنه يعرف كيف يجعل ما هو مثمر ويفتح فم الأخرس. ينسج قصته مع قصصنا بحيث يتم ما يريد تحقيقه في السماء على الأرض أيضاً. يجعل مريم العذراء مثمرة لتلد مخلص العالم، ويمنح الأمومة لأليصابات، العاقرة والطاعنة في السن. يُعد لقاء بين الأمهات مع الأطفال وهم أجنّة في الرحم فيغمرهم الفرح المسيحاني! أم الرب إعترفت بها أليصابات، وابنها المعمّد يقفز بفرح كبير في رحمها.  

تدعونا أمنا الكنيسة في إحتفال اليوم، إلى التفكير في حقيقة جميلة: ميلاد يوحنا الذي هو ميلاد “علامة” على أن الله موجود، وأنه ما زال بين شعبه. ولادة يوحنا ليست ولادة طفل لذاتها، ولكن، هناك أكثر بكثير من ما نعتقده! إنها ولادة بداية لمسيرة ستتطور وتنمو. 

بقلم: الاب الدكتور سامي الريس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …