في هذا اليوم سَنَشعر بارتياحٍ كبير، اذا استطعنا التأمُّل في قُدرةِ القدّيس يوسف على التَفاعل مع الموقف الصعب الّذي واجَهَه. عندما يَحدُث في حياتِهِ شيء غير مُتَوقَّع، فتَضطَرب كُل خطَطِهِ، عندما تكون خطيبته مريم حُبلى قبلَ أنْ يَعيشا معاً، لا يُزعِجه الحدَث مِثلَما يَحدث معنا. لا يَستَسلم للشكوى أو الاتِّهامات. وفوق كُل شيء، فهو لا يَبحث عن المُذنب أو عن تَفسير مُستَحيل ليُعطيه لما يحدُث له. بِبساطة، قام بِلَفتَة جديرة بالإنسانيَّة بِشكلٍ عظيم في مثلِ هذهِ الحالات: بدأ بالتفكير! يقول متى الإنجيلي: “وكانَ يوسفُ رَجُلاً صالِحاً فَما إرادَ أنْ يكْشِفَ أمْرَها، فَعزَمَ على أنْ يَترُكَهاً سِرّاً” (متى 1: 19).
هذا يَعني أنَّ يوسف لا يعرف مُسبَقاً ما هو الحَل الأفضل. لا يوجد حَل جاهز له للوضعِ المأساوي الّذي يَمُر بِه. كما أنَّ الدين لا يُساعِده على الفور. فالقانون، في الواقع، بالمعايير الدقيقة الّتي يجب تطبيقها في هذِه الحالات، لا يدفَعه للخروج مِنْ حالةِ التشابك المُرهِقة، بَل على العكس، يفرض عليه فصلًا لا يستطيع الهروب مِنْه. الشيء الوحيد الثابت فيه هو الرَغبة في حمايةِ مريم، على الأقل جزئيَّاً في الحِفاظ على الصورة العامة للمرأة الّتي يَحبّها.
طريقة تَصرّفَه هذهِ تجعلنا نُفكِّر، كيف نتَصرّف في مواقف مُشابِهَ. نحن أيضاً نَمُر بِمَمرَّات صعبَة، لم نَعتَقد أبداً أنَّه يتَعيَّن علينا مواجَهَتِها، في مثل هذه الفترة الزمنيَّة القصيرة. بالطبع، يُمكِن العثور على مُقارَنات مِنَ الماضي. ومع ذلك، فإنَّ هذهِ ظاهرة غير مَسبوقة لِكُلٍّ مِنّا، تَتركنا مُجَرَّدين مِنَ السِلاح مِنْ نواحٍ عديدة. علينا كَمَسيحيين وكَمؤمنين في الكنيسة أيضاً أنْ نتَجاوَب مع مِثلِ هذا الوضع بِكَثيرٍ مِنْ التواضع والصبر والصلاة. هنا يأتي أمامنا دور وأهميَّة إيمان يوسف. إيمان إبراهيم، إيمان داود وإيمان آخرين مثلهم.
إنَّه الإيمان الّذي لا يتَنازل عَنه في ليلةِ التاريخ. لا يَلعَن ولا يَشكو. فهو لا يُثير شكوكاً لا داعي لها بِشأنِ ما كان يمكن فِعلَه لِتَجنُّب المُشكلة. بدلاً مِنْ ذلك، يتَحوَّل إلى بَصيص النور هذا، الّذي ينفَتح دائماً في قلبِ أولئِك الّذين يَختارون أنْ يظلَّوا عادلين، ومُتَواضعين، وإنسانيين، وعَقلانيين، حتّى في أحلكِ المواقف.
بالطبع، مِنْ الصَعبِ تَخيّل الحَل الملموس الّذي حَدَّده القدّيس يوسف. يخبِرُنا الإنجيل فيما بعد، أنَّ الكلمة الحاسِمة لنْ تكون هيَ الكلمة الّتي يُقرِّرها بِنَفسِه، بَل تأتي إليه مِنْ السماء. ولكن ما أهميَّة أنَّه في مواجهةِ الحدَث غير المُتَوقَّع لم يَبق خامِلاً ومَشلولاً مِنْ الداخل!
هذا يَجعلنا نَفهم أنَّ هناك فَرقاً جَوهريَّاً بين الإيمان والتَديّن. بين الايمان الّذي هوَ وضع أنفُسنا بِثِقة كاملة في يَدَي الآب، الّذي عَرِفناه مِنْ خلال حياة يسوع البنويَّة، وبين التَديُّن الوَثني الكاذب، الّذي يَعتَقد أنَّه يستَطيع تَفادي الصعوبات بإيماءات طَقسيَّة خارجيَّة بَحتَة. لا يرفض الإيمان الحقيقي أبداً التَعامُل مع الوساطات البَشريَّة، والموارد المُتاحة لنا، والإيماءات الّتي تَمليها الحِكمة والمعقوليَّة. فنَحن لسنا غير مؤمنين لأنَّنا لا نُفَكِّر، لأنَّنا لا نأخُذ في الاعتبار ما يُمكِنُنا القيام بِه لحماية أنفُسِنا، ولِتَجنُّب ما هو خطير على أنفُسِنا والآخرين. فالإيمان الحقيقي لا يقودَنا إلى التَخلُّص مِنَ القوانين الكنَسيَّة، بَل يُساعِدنا على أنْ نُدرِك بأنَّ الله يُرسِل ملائكَتِهِ لتَحمينا مِنْ كُلِّ القرارات المُتهوِّرة إذا كُنَّا بالفعل نُصغي حقيقة لوَحي الله.
بقلم: الاب الدكتور سامي الريس