قَالَ يَسُوعُ: ارْفَعُوا الْحَجَرَ! يوحنا11: 39.
- مقدمة
على مر التاريخ ومع مرور الزمن، تتعدد أستخدامات الحجر بأختلاف أنواعه الى أبعد مما نتصور، وذلك بسبب قيمتها الثمينة العالية جداً، والحجر لهُ أستخدماته كثيرة، فهو مادة البناء الرائدة في جميع أنحاء العالم التي جعلته في المتانة الدائمة ومثالية في تطبيقات لا تعد ولا تحصى حتى يومنا هذا. حافظ الحجر على مورثات الأمم والأمبراطوريات والدول والعائلات، وأستخدمتهُ شعوب الحضارات القديمة في وادي الرافداين والنيل، الأغريق والرومان وأخرى، بمختلف الفنون النحت والرسم لتدوين تاريخ حضارتها وتراثها، كما نجدها في جداريات أثار بابل، أشور، سومر، أور، نينوى، مصر، دمشق، وروما وغيرها من الأماكن المقدسة من أعمال فنية ونحت تماثيل الملوك والألهة والقديسين. وأحياناً تكون الأحجار الكريمة كنزاً لا يُقدّر بثمن وتم أستخدمها بالأناقة الخالدة من خلال عمل تيجان وخواتم الملوك الرؤوساء والبطاركة وعامة الشعب. ولاننسى كان لحجر الدور الكبير في بناء القصور والكنائس والمعابد والمعامل والبيوت، وتعبيد الطرق لأنها شريان الحياة لتسهل سرعة الوصول.
- الحجر المادي والروحي:
+ قبل أن نتعرف عن بعض المعاني الروحية عن أرفعوا الحجر. جاءت أستخدامات الحجر المادي في اوقات ومواقع وظروف مختلفة عاشوها وقالوا عنها: الأباء الأولين والأنبياء والتلاميذ والرسل والقديسين، وبقية شعوب العالم. لكن القديس يوحنا الذي أنفرد به، فأذاً ما هو سر هذا الأنفراد؟ أن القديس يوحنا كتب إنجيلهُ في نهاية القرن الأول، وبعد حوالي 50 عام من كتابة باقي الأناجيل. وبالتالي، أختار أحداثا أخرى لم يركز عليها باقي الأنجيليين. وكما أستخدم الحجر المادي الأيجابي في البناء والأعمار وأمور أخرى جيدة مفيدة، كذلك أستخدم الحجر السلبي، في وضع أحجار العثرات في طريق الناس الأيمان، العمل، الدراسة، زرع الفتن، النميمة، الكذب، وحتى الأحكام والشريعة للأخرين كانت عثرات كما نقراء
آيات عن حجر العثرات أدناه:
- آيات عن حجر العثرات:
+ لا تَشْتِمِ الاصَمَّ وَقُدَّامَ الاعْمَى لا تَجْعَلْ مَعْثَرَةً بَلِ اخْشَ الَهَكَ. انَا الرَّبُّ. سفر لاويين19: 14. من الواضح أن وضع حجر أو قالب أمام شخص أعمى هو تصرف قاسي، ولكن العهد الجديد يأخذ المقولة العملية ويحولها إلى صورة روحية.
+ بعد أن إنتهر الرب يسوع المسيح القدديس بطرس، وإستنكر أن يحدث الصلب، قال يسوع لهُ: اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ. أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلَّهِ لَكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ. متى 16: 23. إن الرسول بطرس، كان تحت تأثير الشيطان، حاول أن يشتت يسوع المسيح عما جاء ليعمله. حاول أن يجعل المسيح يتعثر في طريقه إلى الصليب.
+ وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هَؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ. وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ. فَلاَ بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ وَلَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَة. متى18: 6-7.
+ فَقَالَ الْيَهُودُ لِلَّذِي شُفِيَ: إِنَّهُ سَبْتٌ! لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ سَرِيرَكَ. يوحنا5: 10.
+ وَلَكِنِ انْظُرُوا لِئَلاَّ يَصِيرَ سُلْطَانُكُمْ هَذَا مَعْثَرَةً لِلضُّعَفَاء. كورنثوس الأولى 8: 9.
+ يكرر بولس الرسول هذه الفكرة: وَلَكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوباً: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! كورنثوس الأولى 1: 23. كانت فكرة صلب المسيح عثرة بالنسبة لليهود شيء تعثر فيه معتقدهم عما سيكون عليه المسيا.
+ قَالَ لَهُ التَّلاَمِيذُ: يَا مُعَلِّمُ، الآنَ كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ، وَتَذْهَبُ أَيْضاً إِلَى هُنَاكَ. أَجَابَ يَسُوعُ: أَلَيْسَتْ سَاعَاتُ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي النَّهَارِ لاَ يَعْثُرُ لأَنَّهُ يَنْظُرُ نُورَ هذَا الْعَالَمِ، وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي اللَّيْلِ يَعْثُرُ، لأَنَّ النُّورَ لَيْسَ فِيهِ.
+ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً قَائِلًا: أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ. يوحنا8: 12.
ما قالهُ الرب يسوع المسيح للتلاميذ، هو على سبيل المثل الأيضاحي والتفسيري، فالمسيح هو نور النهار، وساعات النهار هي زمن خدمته المحددة على الأرض. وبالتالي، لا داعى للخوف، ما دام الوقت نهاراً وأنا معكم. وقد أوضح الرب يسوع المسيح ذلك عندما قال: النور معكم زماناً قليلاً بعد، فسيروا في النور ما دام لكم النور.
- أرفعوا الحجر:
+ أن معجزة إقامة لعازر من بين الأموات، هي معجزة أنفرد بها إنجيل يوحنا. وأختيار القديس يوحنا لهذه المعجزة بالذات لهُ مدلول آخر، وهو ليس إبراز شخص المسيح كإنسان له قدرة، بل كإله ورب لهُ سلطان، وهو أسلوب تميز به إنجيل يوحنا منذ أول كلماته. أما سؤال: لماذا ذكر الرسول مرقس شيئاً لم يذكره الرسول يوحنا، أو ذكر الرسول لوقا شيئاً لم يذكره متى؟ فأجابته: إن كل ما كتبه الإنجيليين الأربعة، لم يكن على سبيل الحصر، بدليل ما قاله القديس يوحنا نفسه: وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. آمِينَ. يوحنا21: 25.
+ قَالَ يَسُوعُ: ارْفَعُوا الْحَجَرَ! قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ الْمَيْتِ: يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ. يوحنا11: 39. فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ، وَقَالَ: أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟ قَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، تَعَالَ وَانْظُرْ. هنا: بَكَى يَسُوعُ. يوحنا 11: 35. بعد وصوله الى قبر العازر كان يستطيع أن يرفع الحجر عن، ولكن من كان هناك في ذلك الوقت يستطيعون رفع الحجر، ولكن لم يستطيعوا أقامة العازر من الموت وأعادتهُ الحياة له من جديد. فَقَالَ الْيَهُودُ: انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ يوحنا 11: 36.
- شخصية وقرية:
لعازر شخصية محبوبة للرب يسوع، لهُ المجد، مع أختاه مريم ومرتا. وكان منزله بمثابة محطة، يستريح فيها الرب يسوع المسيح أثناء تجواله. وأسم “لعازر” معناه: “اللّـه الذي آزر”. وقرية بيت عَنْيَا معناها: “بيت العناء”، وتبعد عن أورشليم حوالي 3 كم.
- يسوع هو الحجر الذي رفضه البناؤون:
+ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا! أعمال الرسل4: 11. ويقتبس الرب يسوع بضع من أيات العهد القديم: أشعيا8: 14-15. وَيَكُونُ مَقْدِسًا وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ لِبَيْتَيْ إِسْرَائِيلَ، وَفَخًّا وَشَرَكًا لِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ. فَيَعْثُرُ بِهَا كَثِيرُونَ وَيَسْقُطُونَ، فَيَنْكَسِرُونَ وَيَعْلَقُونَ فَيُلْقَطُونَ. لِذلِكَ هكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُؤَسِّسُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَراً، حَجَرَ امْتِحَانٍ، حَجَرَ زَاوِيَةٍ كَرِيماً، أَسَاساً مُؤَسَّساً: مَنْ آمَنَ لاَ يَهْرُبُ. أشعيا 28: 16.
+ وفي سفر دانيال2: 34-35. كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ، فَضَرَبَ التِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ اللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. وَفِي أَيَّامِ هؤُلاَءِ الْمُلُوكِ، يُقِيمُ إِلهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هذِهِ الْمَمَالِكِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. لأَنَّكَ رَأَيْتَ أَنَّهُ قَدْ قُطِعَ حَجَرٌ مِنْ جَبَل لاَ بِيَدَيْنِ، فَسَحَقَ الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالْخَزَفَ وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ. اَللـهُ الْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ الْمَلِكَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ هذَا. اَلْحُلْمُ حَقٌّ وَتَعْبِيرُهُ يَقِينٌ. وأستخدم الرب المسيح هذه الأستعارة ليبين أن حجراً واحداً يمكن أن يؤثر في الناس بعدد طرق، تتوقف على كيفية أتصالهم به، فقد يبنون على وهذا هو الأفضل، ولكن قد يعثر الكثيرون به، وفي الدينونة الأخيرة سيسحق هذا الحجر أعداء اللّـه. ” فالمسيح هو حجر البناء ” سيصبح في النهاية حجراً ساحقاً، فالأن هو يقدم الرحمة والغفران ولكنه يعد الدينونة فيما بعد، فيجب الأ نتواني في الأختيار.
- أحكام الناموس بمقتضى هذه الحالات هي كالآتي:
+ الرجم بالحجر: وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ! يوحنا8: 7. نقراء في سفر الاويين20: 10. إذا زنا رجل مع امرأة: فإذا زنا مع امرأة قريبه فإنه يقتل، الزاني والزانية وهما حالتان متساويتان غير أن الحالة الثانية تعتبر فعل فاضح. إذا وُجد رجل مضطجعاً مع امرأة زوجة بعل يُقتل الأثنان، الرجل المضطجع مع المرأة والمرأة. وفي سفر التثنية22: 22. إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة وأضطجع معها فأخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة وارجموها بالحجر حتى يموتا، الفتاة من أجل أنها لم تصرخ في المدينة والرجل من أجل أنه أذل امرأة صاحبه.
+ كما كشف المسيح نقص الناموس الخطير في كونه يحكم بحسب الظاهر والمنظور، ويتجاهل عن عمد ما في الباطن والضمير، وذلك إزاء حكم المسيح الذي أعتمد أعتماداً قوياً على حكم الضمير، والذي ثبت أنه قادر أن يلغي حكماً بالإعدام ثابتاً على يد شهود عيان. وهكذا حينما وقف المشتكون، والحجر في أيديهم في لهفة لتنفيذ حكم الموت في هذه النفس الخاطئة، أيقظ المسيح ضمائرهم، فرأوا فجأة أنهم واقعون في نفس الفعل الذي يدينونه، فألقوا الحجر من أيديهم، وخرجوا من ساحة قضاء الناموس، وتركوا الخاطئة للمسيح! بل وتركوا الرب المسيح أيضاً، إذ ذابت نفوسهم فيهم.
- خاتمة:
إن الأمتناع عن أن نكون حجر عثرة يعني ألا نقود آخرين إلى الخطية. وتعتمد عن كيفية تحقيق هذا الموقف وعلى قلوب ومشاعر من حولنا. إن الأمان الذي لنا في محبة اللـه وتدبيره لأجلنا الآن وللأبدية يسمح لنا أن نبدي الإهتمام بالضعفاء، الذين يحتاجون تشجيع معين لكي يدركوا من هو اللـه. يا إلهي: لا تجعل من أفكار عقولنا موانع وسدود تمنع تيار الإيمان بل نفتح قلوبنا، فنقبل ونُخبر أيضاً بعظيم الأيمان الحقيقي والأعمال المباركة بقوتك الألهية وقوة الروح القدس الذي يعمل فينا.
شامل يعقوب المختار