الصلاة “وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي ٱلصَّلَاةِ مُؤْمِنِينَ تَنَالُونَهُ” …. كيف عززها الكتاب المقدس ودعا اليها المؤمنين

الإنسان اجتماعي بطبعه، والصلاة* جزء من هذه الطبيعة، وإن وجدت هذه الصلة، فإنه سيشعر بالوجود في حضرته واللقاء معه، لقاء حب والتصاق وتلامس القلب.. وفي هذا قال داود النبي: “ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ! طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ.” (مز 34: 8)، وقال أيضًا: ” أما أنا فخير لي الالتصاق بالرب” (مز 73: 28). “اثبتوا في وأنا فيكم” (يو 15: 4) وبالصلاة يصل الإنسان إلى ما يسميه القديسون” استحياء الفكر” أي أن الفكر الذي يتقدس بالصلاة لا يفكر بشيء رديء. وهكذا يخجل الإنسان من أن يستضيف في ذهنه فِكرًا شريرًا في الموضع الذي كان يوجد فيه الله وقت الصلاة.. وبهذا تساعد الصلاة على حياة التوبة والنقاء …..

مفهوم الصّلاة لُغةً واصطلاحاً: الصّلاة في اللغة تعني الدُّعاء، وجمعها صَلَوات، ويعود أصل لفظ الصّلاة إلى الفعل صلَّى يُصلِّي، والأمر منها صَلِّ، والمصدر صَلاةٌ، ولا يُقال هنا: صلّى تصليةً، ويُقال: صلّى فهو مُصَلٍّ، وصلّى صلاةً، أي أدّى الصّلاة، والصّلاة كذلك تعني الرحمة، والصّلاة عبادةٌ والصّلاة لا تبعُد في معناها الاصطلاحيّ عن المعنى اللغويّ…. للفظة العبرية للصلاة هي “تفيلاة” وبمعنى ״يصدر الحكم״، ״يتوسط״، ״يلتمس״ فالصلاة هي محاولة الإنسان إصدار الحكم على نفسه والتماس وطلب الغفران الإلهي، ومحاولة للاتصال خارج حدود النفس الإنسانية بخالق الكل من أجل ربط نفسه بالإرادة الإلهية.

إن الصلاة أيضا هي تصريح بالاعتماد البشري على رحمة الله في عونه من أجل حياة هادفة وسعيدة، فاللغة الآرامية واللغة العبرية كانتا لغة التقليد اليهودي، ولفظة الصلاة في اللغة العربية قريبة من اللفظة الآرامية صلوت او صلوثو التي تعني حرفيا الانحناء وإخضاع النفس في التعبد، وتختلف طقوس الصلاة عند شعوب العالم حتى الوثنيين، وفي كيفية دائها وممارستها وهذا يشكل جزءا من ارثها المعرفي ومعتقداتها.

الصلاة في الإيمان المسيحي “لقاء مع الله”، فيها يقدم له الشكر والسؤال عن غفران خطايا وترفع أمامه الطلبات وتضرعاته، وتدخل الصلاة في صلب حياة المؤمنين إذ تُعتبر الغذاء الروحي الذي ينمّي الإيمان ويقويه ويثبته، ومن دون الصلاة يضعف ويفتر ويصبح فريسة سهلة لأعدائه، إنه امتياز عظيم أن نكون في محضر الله نكلّمه ونشعر بروحه يقودنا ويرشدنا ويصغي إلى صلواتنا إصغاء الأب الحنون، والصلاة قد تكون فردية أو جماعية، الصلاة الفردية “وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً.” (مت 6: 6)، في علاقة شخصية مع الله، وفي الوقت الحاضر قد يمارس البعض صلاته الفردية (في السيارة، العمل، المدرسة أو الجامعة، في الطائرة، أو البحر أو في أي مكان آخر)، الصلاة الجماعية “فَكَانَ بُطْرُسُ مَحْرُوسًا فِي السِّجْنِ، وَأَمَّا الْكَنِيسَةُ فَكَانَتْ تَصِيرُ مِنْهَا صَلاَةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِهِ.” (أع 12: 5)، الصلاة في الكنيسة والاجتماعات أشار إليها الكتاب المقدس مهما بلغ عمق الصلاة الفردية لا غنى عن الصلاة الجماعية مع المؤمنين، والصلاة الجَماعية وهي غالباً ما تكون ضمن لقاء مجموعة من المؤمنين المسيحيين في اجتماع يدعى اجتماع الصلاة، “لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ” (مت 18: 20)، لا يوجد شروط محدّدة للصلاة، كغسل اليدين مثلاً أو عدد ركعات معينة أو ترديد الكلمات نفسها كلّ مرة. الله لا ينظر إلى خارج الإنسان بل إلى داخله، أي فكره وقلبه، الله يريدنا أنقياء من الداخل كي يُسَرّ بصلواتنا وتكون مقبولة عنده ويرضى بها وستجيبها بحسب مشيئته، “فَاخْضَعُوا للهِ. قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ، اِقْتَرِبُوا إِلَى اللهِ فَيَقْتَرِبَ إِلَيْكُمْ. نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا الْخُطَاةُ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي الرَّأْيَيْنِ، اكْتَئِبُوا وَنُوحُوا وَابْكُوا. لِيَتَحَوَّلْ ضَحِكُكُمْ إِلَى نَوْحٍ، وَفَرَحُكُمْ إِلَى غَمٍّ، اتَّضِعُوا قُدَّامَ الرَّبِّ فَيَرْفَعَكُمْ”. (يعقوب 4: 8،7 ،9 10 )، تحديد وقت الصلاة لا علاقة له بتعليم كتابي أو عقيدة إيمانية إنما له طابع تنظيمي شكلي فقط، لذا، يمكن لكل كنيسة أن تحدِّد موعداً أو وقتاً معيناً يلتقي فيه المؤمنون للصلاة في الكنيسة، كما يمكن لأي مؤمن أو مجموعة مؤمنين أن يصلّوا في أي وقت يحددونه، نحن نؤمن أنّ الله غير مقيّد بوقت ولا بمكان وهو يصغي لمؤمنيه في أي وقت يطلبونه ويسألونه، مصلّين بإيمان وبنقاء الفكر والضمير “وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ” (لوقا 18: 1)، “وَاظِبُوا عَلَى الصَّلاَةِ سَاهِرِينَ فِيهَا بِالشُّكْرِ”(كولوسي 4: 2) ونصلي في كل الاتجاهات ولجميع البشر من اجل الخلاص.

لذلك نحن نصلي من اجل الجميع ونحن معهم في التجربة: كيف الصلاة تعزز التجربة وتكون مستجابة: “لَا تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِٱلصَّلَاةِ وَٱلدُّعَاءِ مَعَ ٱلشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى ٱللهِ. وَسَلَامُ ٱللهِ ٱلَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ”. (فيل 4: 6-7)،

1- نصلي كي نخضع لإرادة الله ولأكنه يسمح بأن نتألم، “مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ”. (عبر 8:5).

2- نصلي كي نبتعد عن الانانية، ويطالبنا الله أن نضحي بأنفسنا لأجل الآخرين، “لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا”. (فيل 4:2)، “بِهذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ” (1يو 16:3).

3- نصلي لأجل النجاح والتفوق فإذا بالمشكلات تواجهنا فنجد أنفسنا في وسط التجارب المتنوّعة، “لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا” (1يو 4:5).

4- نصلي لأجل التواضع فيأتي الشيطان ليدخلنا في التجربة ونطلب إلى الله لينقذنا، “و َلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ” (2كورنثوس 7:12).

5- نصلي لأجل الوحدة مع المسيح وان يساعدنا في وجودنا مع الاخرين فيقطع علاقاتنا مع الآخرين ويسمح لأعزّ أصدقائنا أن يسيئوا فهمنا ويظهروا كأنهم غير مبالين بنا إذ يدعونا الله لنسلك معه وحيدين.

6- نصلي لأجل المحبة فيرسل لنا الله الآلام ويضعنا بين أناس لا يعرفون المحبة بل ينطقون بما يجرح شعورنا، ويسحق قلوبنا لأن، “الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا. وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَالْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ”(1كورنثوس 4:13-8).

7- نصلّي طالبين التشبّه بالمسيح فيأتي الجواب: “هأَنَذَا قَدْ نَقَّيْتُكَ وَلَيْسَ بِفِضَّةٍ. اخْتَرْتُكَ فِي كُورِ الْمَشَقَّةِ، مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، مِنْ أَجْلِ نَفْسِي أَفْعَلُ. لأَنَّهُ كَيْفَ يُدَنَّسُ اسْمِي؟ وَكَرَامَتِي لاَ أُعْطِيهَا لآخَر”. (إشع 11،10:48) “فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟ قَالاَ لَهُ: نَسْتَطِيعُ”. (متى 22:20)، يُدخل الله فينا شيئًا من رِفقِه ولطفه ويعلّمنا أن نحمل بعضنا أثقال بعض وأن نحيا لنرفع المرضى والحزانى أمام الله بالصلاة “اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، وَهكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ”(غلاطية 2:6 )، “فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ”(عبرانيين 25:7)، “مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ”،( أفسس 18:6).

ولكن كل هذا هو الجانب الوقتي فقط إذ هناك جزاء أبديّ وهو، “لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ، تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ. ذلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَرَوْنَهُ الآنَ لكِنْ تُؤْمِنُونَ بِهِ، فَتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ، نَائِلِينَ غَايَةَ إِيمَانِكُمْ خَلاَصَ النُّفُوسِ”(1بطرس 7:1 ،8 ،9)، “لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا، وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ”(2كورنثوس 17:4-18)،”وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ”(لوقا 1:18) “وَكُلُّ مَا تَطلُبُونَهُ وَأَنْتُمْ تُصَلُّوْنَ، فَإنَّكُمْ سَتَنَالُونَهُ إنْ آمَنْتُمْ”. (متى 21: 22)

كيف عزز الكتاب المقدس الصلاة ودعا اليها المؤمنين: – “وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ!، وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلًا كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ، فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ”. (مت 8،7،6،5:6)

هنا نلمس العلاقة الحميمة بين الصلاة وألأفخارستيا*. ففيها سلّم المسيح ذاته للآب من أجلنا، ونحن مدعوون بالمثل لكي نشترك في عطاء المسيح لذاته. فتصبح صلاتنا تهيئة وتأوين، عيش ألإفخارستيا. فالصلاة الحقيقية تجعل كل واحد منّا يضع ذاته في خدمة الآخرين. أن نضع ذاتنا بين يدي الله، لا يعني تحقيق ذلك بشكل مجرّد. هذا يعني تسليمها له ليضعها في خدمة الآخرين.

كيفية إنعاش الرغبة في الصلاة.

الأساس الأول: الصلاة يسودها الفكر والمشاعر تنبع في لحظات العزلة حيث نبتعد عن هموم الحياة، حيث الهدوء الذي يدفعنا إلى تمجيد الله.… إنها لحظات حقيقية نجد أنفسنا مع ذواتنا في الحقيقة هنا تنبع من داخلنا صرخة حقيقية وعفوية: ” ما أعظم اسمك يا ألله”. أعتقد أن كل واحد منا اختبر ويختبر شيء من هذا الأمر. إنها صلاة القلب، الصلاة العفوية، “أَيُّهَا الرَّبُّ سَيِّدُنَا، مَا أَمْجَدَ اسْمَكَ فِي كُلِّ الأَرْضِ! حَيْثُ جَعَلْتَ جَلاَلَكَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ.2 مِنْ أَفْوَاهِ الأَطْفَالِ وَالرُّضَّعِ أَسَّسْتَ حَمْدًا بِسَبَبِ أَضْدَادِكَ، لِتَسْكِيتِ عَدُوٍّ وَمُنْتَقِمٍ. إِذَا أَرَى سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ، الْقَمَرَ وَالنُّجُومَ الَّتِي كَوَّنْتَهَا، فَمَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذكُرَهُ؟ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟ وَتَنْقُصَهُ قَلِيلًا عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ”، (مز 8، 1- 5).

الأساس الثاني: ما يميزنا في الصلاة هو إنها خاصة ومن عمل الروح القدس بداخلنا، كما وأنها ليست مجرد مشاعر وتعبير عما نلمسه في الطبيعة ومن حولنا، كما أنها ليست مجرد اختبارات حقيقية مع الذات، “لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ، وَلكِنْ إِنْ كُنَّا نَرْجُو مَا لَسْنَا نَنْظُرُهُ فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ بِالصَّبْرِ، وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ”(رو 8، 14 26،25، 27).

شروط الصلاة المقبولة

1- القلب النقي: الصلاة التي يسمعها الله ويستجيب لها هي صلاة التوبة وطلب النجاة في المسيح. فالخطية في القلب تعطل البركة وتقف حجر عثرة في طريق الايمان “إِنْ رَاعَيْتُ إِثْمًا فِي قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ الرَّبُّ.” (مز 66: 18)

2- الايمان: هو القناعة التي نؤكد بها استجابة الصلاة، “وَلكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ.” (عب 11: 6)

3- الطلبات تكون بحسب مشيئة الله: لابد أن تكون صلواتنا بمشيئة الله حتى لا تكون مجرد طلبات لا تستجاب، “اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. ٨ لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ”. (متى ٧: ٧- ٨) “وَهذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا، وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبْنَا يَسْمَعُ لَنَا، نَعْلَمُ أَنَّ لَنَا الطِّلِبَاتِ الَّتِي طَلَبْنَاهَا مِنْهُ”. (1 يو ٥: ١٤- ١٥)

4- اللجاجة: ليست في تكرار الصلاة فحسب، او الصراخ والصوت العالي فيها. كما وليست تعني احتياجنا الى الله أن يعطينا ما نريد، ولكن باللجاجة والاستمرار في الصلاة هي ستوصلنا لاستجابة الله لصلاتان وطلباتنا. “وَفِي ذلِكَ الْيَوْمِ لاَ تَسْأَلُونَنِي شَيْئًا. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِي يُعْطِيكُم إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُ شَيْئًا بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً”. (يو ١٦: ٢٣- ٢٤)

5- تقديم الصلاة لله باسم المسيح: الصلاة باسم المسيح تعنى الصلاة بخضوع لمشيئته والتسليم لسلطانه، “وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالابْنِ. ١٤ إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئًا بِاسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ”. (يو ١٤: ١٣- ١٤)، “إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ”. (يو ١٥: ٧).

هل احيانا لا استجابة لصلاتِنا:

لنتفق على كَون الله يُحبّ الإنسان ويريد الخير له، سنستعرض معا بإيجاز بعض هذه الأسباب التي تجعل الله لا يُجيب على صلواتنا كما يلي:

1- لا يسمع الله لنا أحيانا فالبعض يشير الى أنّنا لا نعرف الله بحقّ، وإنّ علاقتنا بالله وبسبب طبيعة الخطيّة فينا فالصلاة غير مقبولة أمام الرّبّ وبحسب اشعيا “فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلاَةَ لاَ أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا، اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ”(إش 16،15:1) لكنّه أيضاً يُقدّم الحلّ وهو التّوبة العمليّة، لذا فإنّ الله لا يسمع لصلاتنا حتّى نعود طالِبين العَفو الرحمة والغفران، حينئذٍ يُحيينا الله من جديد وتبدأ العلاقة الحيّة والحقيقيّة معه.

2- لا يسمع الله لنا أحياناً لأنّنا نطلب ما ليس لمصلحتنا أو ربّما ما قد يضِرّ بنا: لا يستجيب لطلبتنا أنّها يمكن ان تكون مصدر خطرٍ ولو لم نُدرك ذلك وقتها، فإنّ هذه تكون هي الحقيقة.

3- لا يسمع الله لنا أحياناً لأنّنا نطلب أمراً رديّاً لنشبع به شهواتنا أو رغبات خاطئة عندنا، “تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيًّا لِكَيْ تُنْفِقُوا فِي لَذَّاتِكُم” (يع 4: 3). وفي ذلك مِثل الذي يطلب من الله مالاً ليغتني من باب حرام والشّر.

4- لا يسمع الله لنا أحياناً لأنّنا نطلب أمراً يضرّ الآخَرين. كأن ندعو الله بأن يسمح بوقوع شرّ في حياتهم بسبب ظلما واغتصابا لحقّنا أو أساؤوا إلينا، ونحن لا نُحاول أن نغفر لهم ولا أن نترك الله ليتصرّف هو، إنّما نطالبه على إيذائهم لمصلحتنا.

5- لا يسمع الله لنا أحياناً لأنّنا غير مُخلِصين ـ أصلاً ـ في علاقتنا الشّخصيّة المتمثلة بالأنانيّة في التعامل ليُلبّي لنا حاجاتنا، بمعنى أنّنا لا نحبّ الله بحقّ ولا نكون في علاقة مُستمرّة معه، لكنّنا نعرفه وندعوه ونلجأ إليه وقت حاجتنا فقط. فعندما نتعرّض للأزمات والضّيقات والتّجارب نلتفت إلى الله ونتضرّع إليه ونصوم ونصلّي، وحين يستجيب لنا الله ويرحمنا ويرفعنا ويسدّد احتياجنا، نعود لسابق عهدنا فنبتعد عنه وتفتر علاقتنا به وربّما ننساه وننقطع عنه، اننا نخدع أنْفُسنا.

6- لا يسمع الله لنا أحياناً لعدم إيماننا ولضعف ثقتنا أنّه سيستجيب لنا: ان كلمة الله المُقدّسة تُشجّعنا أن نؤمن بمحبّة وفي صدق وعوده الأمينة، بذلك يكون لزاماً علينا ان ننتظره، لأنّنا بدون إيمان لن يكون بمقدورنا أن نختبر استجابته لصلواتنا وهو يطلب منّا علاقة شخصيّة معه وهو يسمع لصلاتنا.

أخوتي ما تم استعراضه في المقال أعلاه هو بعض أهداف الصلاة في الايمان المسيحي ويمكن ايجازها على النحو التالي منها: التربية على الخدمة، التربية على الاستعداد الكلي على مثال مريم، “فَقَالَتْ مَرْيَمُ: هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ”(لوقا 1: 38)، التربية على التكريس الكلي وبدون شرط لخدمة أخوتنا البشر، علينا إذن أن نفهم جيداً بأن هدف الصلاة المسيحية هو أن يضع كل مسيحي، حياته بين يدي الله ويقول له: ها أنذا أضع حياتي بين يديك يا ألله. في هذه الحالة تكون الصلاة قد كشفت للإنسان ما هو له وما عليه أتى من الله وموجه أن يعود إليه مجدداً، من خلال الصلاة والإيمان، أن يضع ذاته بين يدي الله، بدون شرط، لأن الله هو نفسه المطلق، هو من يعطينا بدون شرط، كشف عن ذاته لنا وحوّل حياتنا، هذا هو أساس العلاقة بين الصلاة وألأفخارستيا، بين الصلاة والحياة، وعلى مثال يسوع في جثسماني،” “قَائِلًا: يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ”. (لو 22: 42)، ونرى أن كل نتائج الصلاة لصالح الإنسان، فحينما نصلى ستتغير حياتنا ورؤيتنا الى معرفة إرادة الله سنعيش حياة التسليم لمشيئة، بدخولنا لعمق العلاقة مع الله سنكتشف العجائب، ويعطينا الله القوة كي ندوس الحيات والعقارب وكل قوى الشر.

وفي الختام وردت الصلاة الربية في انجيل (مت 6: 13،9)، ضمن الموعظة الشهيرة التي ألقاها الرب يسوع المسيح على الجبل. كما انها وردت في انجيل (لو11: 4،1 )، كجواب الرب على سؤال أحد تلاميذه … يا رب علمنا ان نصلي كما علم يوحنا ايضا تلاميذه، وانت القارئ العزيز صلي معنا كما علمنا الرب يسوع:– “وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ، لَمَّا فَرَغَ، قَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا أَيْضًا تَلاَمِيذَهُ، “فَقَالَ لَهُمْ: مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ، لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ، لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ، خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا كُلَّ يَوْمٍ، وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا لأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا نَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا، وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ، آمِينَ. .. ملاحظة: وترد في بعض طبعات الكتاب المقدس تكملة للصلاة الربية (“لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ”). آمِينَ.

د. طلال كيلانو

———————————————————————————————–

*الصّلاة في اللغة تعني الدُّعاء، وجمعها صَلَوات، والدّين والعبادة والرحمة، ويعود أصل لفظ الصّلاة إلى الفعل صلَّى يُصلِّي، والأمر منها صَلِّ، والمصدر صَلاةٌ، ولا يُقال هنا: صلّى تصليةً، ويُقال: صلّى فهو مُصَلٍّ، وصلّى صلاةً؛ أي أداها .

*راجع انجيل لوقا (لوقا 43،1:18).

* وألأفخارستيا: كلمة معناها اللغوي الشُكر، وهي تعريب للكلمة اليونانية εὐχαριστέω (أقول شكرًا)، وسر الأفخارستيا هو أحد الأسرار السبعة المقدسة في الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية أو أحد السرّين المقدسين في الكنيسة البروتستانتية. وهو تذكير بالعشاء الذي تناوله يسوع بصحبة تلاميذه عشيّة آلامه.

*عزيزي القارئ يمكنك العودة الى المصادر الخاصة بالموضوع في مكتبتك او محرك البحث غوغل للاطلاع لان ما تم استعراضه عن الصلاة في موضوع المقال هو ميسر ويحتاج متابعتك وهناك الكثير مما كتب في الصلاة ……………

عن د. طلال فرج كيلانو

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …