من اجل ثلاثين من الفضة …… ثلاثين من الفضة التي سلم يهوذا يسوع بها.. لماذا وكيف ذكرت في الكتاب المقدس:

أذا كان المال هو الذي أغوى يهوذا في ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، أم هل شنق يهوذا نفسه بعد ذلك لانّ يسوع بريء أم لانّ المال الذي تقاضاه لم يساو شيئاً فعلياً؟ لماذا خان يهوذا يسوع؟ من أجل ماذا؟ والحادثة وردت في الكتاب المقدس بهذا المضمون فقبل العشاء الأخير ذهب يهوذا إلى رُؤساء الكهنة ووافق على تسليم يسوع مُقابل ثلاثون عملة من الفضة، هذا يعني انه وافق على ما عرض عليه في وقت سابق حيث تم مناقشتها معه واستمرت هذه الفكرة تدور في خلد هذا “الإسخريوطي*” الى حين وقت التسليم، وقد ندم بعد ذلك وحاول إعادة الأموال. والتي لا تساوي شيء، فقديمًا كانت الثلاثون قطعة من الفضة هي ثمن شراء عبد بشري في زمن تجارة الرقيق، “حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ قَائِلاً: قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَرِيئًا فَقَالُوا: مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ! فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ، ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ. فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ، فَتَشَاوَرُوا وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ. لِهذَا سُمِّيَ ذلِكَ الْحَقْلُ حَقْلَ الدَّمِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ: وَأَخَذُوا الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ، ثَمَنَ الْمُثَمَّنِ الَّذِي ثَمَّنُوهُ مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ، وَأَعْطَوْهَا عَنْ حَقْلِ الْفَخَّارِيِّ، كَمَا أَمَرَنِي الرَّبُّ”(مت 27: 10،3).

وهنا قد يكون من الصعب العودة بالزمن واكتشاف نوايا يهوذا والتي هي كما حدث فعلا ان يهوذا ومن خلال سير الاحداث لاحقا انه فعلها: “حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ، إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ، وَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُوني وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ”(مت 26: 15،14).

وحتى عندما قرر يهوذا ان ينتحر من الندم مضي الى طرف هوة في وادي هنوم الصخري وعلق نفسه الي بحبل فرع شجرة وخنق نفسه ولكن انجيل القديس متي لم يذكر التفاصيل ولكن القديس بطرس يشرح ويوضح بمقام تنفير بعد خنق نفسه وانقطع الحبل فسقط علي وجهه ولان المنطقة صخرية فالواضح انه سقط علي صخور مدببة فانشق في منطقة البطن وانسكبة احشاؤه، ولتتميم النبوة عن اكملها ولتنسكب كل احشاؤه، وترك يهوذا هذا العالم كمثال سيء جدا، وتحقيقا للنبوة بالكامل: “وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ قَامَ بُطْرُسُ فِي وَسْطِ التَّلاَمِيذِ، وَكَانَ عِدَّةُ أَسْمَاءٍ مَعًا نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ: أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ الَّذِي سَبَقَ الرُّوحُ الْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ، عَنْ يَهُوذَا الَّذِي صَارَ دَلِيلًا لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ، إِذْ كَانَ مَعْدُودًا بَيْنَنَا وَصَارَ لَهُ نَصِيبٌ فِي هذِهِ الْخِدْمَةِ. فَإِنَّ هذَا اقْتَنَى حَقْلًا مِنْ أُجْرَةِ الظُّلْمِ، وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسْطِ، فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا. وَصَارَ ذلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ، حَتَّى دُعِيَ ذلِكَ الْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقَلْ دَمَا» أَيْ: حَقْلَ دَمٍ” (أع 1 :15، 19)

آخذين بعين الاعتبار ما تقدم اعلاه، وان نسأل هل خان يهوذا يسوع من أجل المال ام لشيء أخر؟ يمكننا ان نقول٣٠ قطعة من الفضة تعويض محدود جداً لقاء هذا العمل الشرير وهو أمر أيقنه يهوذا بنفسه بعد ذلك. يوضح انجيل القديس متي باختصار ان يهوذا كان مع رجال من عند رؤساء الكهنة وجنود وقت تسليم السيد المسيح وبعد عتاب السيد المسيح له ولان نبوة داوود النبي توضح ان الشيطان مسيطر عليه، “فَأَقِمْ أَنْتَ عَلَيْهِ شِرِّيرًا، وَلْيَقِفْ شَيْطَانٌ عَنْ يَمِينِهِ”(مز 109: 6)، لذلك استسلم للندم وحاول ان يرد الفضة للكهنة والشيوخ فرفضوا “وقالوا: مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ!” فهو ذهب الي الهيكل الذي كان في طريقهم الي بيلاطس وطرح الفضة في الهيكل باسمه ولم ينتظر عودتهم. ولهذا تعبير الانجيل دقيق جدا عندما يعبر انه طرحها في الهيكل وهم اخذوها بعد ذلك وتشاوروا ماذا يفعلون بها لانها ثمن دم.

اما نحن الان فنقول بما نؤمن به ومع ما أشار اليه الكتاب المقدس “قَائِلًا: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ، فَتَذَكَّرْنَ كَلاَمَهُ”(لو 24: 8،7)
والقديس يوحنا الذهبي الفم يقول: ان الإشارة إلى النبوات الخاصة بخيانة يهوذا الإسخريوطي وموته، “أعدائي يتقاولون علي بشر: متى يموت ويبيد اسمه، وإن دخل ليراني يتكلم بالكذب. قلبه يجمع لنفسه إثما. يخرج. في الخارج يتكلم، كل مبغضي يتناجون معا علي. علي تفكروا بأذيتي، يقولون: أمر رديء قد انسكب عليه. حيث اضطجع لا يعود يقوم، أيضا رجل سلامتي، الذي وثقت به، آكل خبزي، رفع علي عقبه”(مز 41 9،5) يشير إلى أن هذه الأحداث تمت بسماحٍ إلهي وكما يلي: “قُومُوا لِنَذْهَبَ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ، وَلِلْوَقْتِ فِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ أَقْبَلَ يَهُوذَا، وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ. وَكَانَ مُسَلِّمُهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلًا: الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ، وَامْضُوا بِهِ بِحِرْصٍ، فَجَاءَ لِلْوَقْتِ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَائِلًا: «يَا سَيِّدِي، يَا سَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ. فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ”. (مر 14: 42، 46)، وأنها أحداث لها خطورتها. كما تكشف لنا عن انشغال الكنيسة منذ بدء انطلاقها بجميع نبوات العهد القديم وما ورد أعلاه منها.

ويذكر القديس يوحنا الذهبي الفم:

هنا يقدم لنا القديس بطرس طريق التعزيات الإلهية، أن ما حدث لم يكن جزافًا، بل سبق فأعلنت عنه النبوات. هكذا فإن التمتع بنبوات العهد القديم تعطي تعزية للنفس وأن الإيمان الذي نعيشه حقيقة لا جدال فيه، لأن كل ما حدث إنما سبق فأعلن عنه الله بالأنبياء قبل مجيء السيد المسيح بمئات وأحيانا آلاف السنوات. يمكن للدارس أنه يتعرف بالروح على كل أحداث الخلاص من العهد القديم الذي كان ولا يزال في أيدي اليهود قبل مجيء المسيح. هذا بالنسبة لخطة الله الخلاصية للعالم كله، والتي من خلالها ندرك اهتمام الله بكل إنسانٍ فينا شخصيًا، ففي ذهن الله خطته نحوه لخلاصه ومجده، “كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله”. إنه يعزيهم دائمًا بالنبوات، هكذا يفعل المسيح في كل المناسبات ومنها، “وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ قَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي، فَحَزِنُوا جِدًّا، وَابْتَدَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُولُ لَهُ: هَلْ أَنَا هُوَ يَا رَبُّ؟ فَأَجَابَ وَقَالَ: الَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ هُوَ يُسَلِّمُنِي، إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لِذلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!، فَأَجَابَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ وَقَالَ: هَلْ أَنَا هُوَ يَا سَيِّدِي؟ قَالَ لَهُ: أَنْتَ قُلْتَ”(مت 26: 25،21).

يا رب امنحنا عظيم محبتك وابعد عنا تمرد يهوذا هذا الشرير وهو أمر أيقنه يهوذا بنفسه بعد ذلك ومكنا من تعزية النفس بالإيمان الذي نعيشه في الحقيقة، وبارك كنيستك وعملها مع المؤمنين الى انقضاء الدهر…. الى الرب نطلب

د. طلال كيلانو

—————————————————————————————–

*(الذي هو بمعنى ماجور او مؤجر) “سِمْعَانُ الْقَانَوِيُّ، وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي أَسْلَمَهُ.” (مت 10: 4)

عن د. طلال فرج كيلانو

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …