لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ
د – بشرى بيوض
يجب علينا ألا نطلب الأشياء كما لو كانت مصدر سعادتنا، كما لا نصنع الخير لأجل نوالها رغم كونها ضرورية في حياتنا. لقد أوضح لنا الرب الفارق بين السعادة التي نطلبها وبين حصولنا على ضروريات الحياة، وذلك بقوله “اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم” فملكوت الله وبره هو الخبز الذي نسعى إليه والذي نقصده من كل أعمالنا. ولكننا إذ نخدم في هذه الحياة كجنود راغبين في ملكوت السماوات نحتاج إلى الضروريات اللازمة للحياة، لذلك قال الرب “هذه كلها تُزَاد لكم”، “ولكن اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره (مت 6: 33)
لذاعلينا أن نطلب أمور الله كأولوية فوق أمور العالم. وهذا يعني، أساساً، أننا يجب أن نطلب الخلاص الكامل في ملكوت الله لأن قيمته أعظم من كل غنى العالم. هل يعني هذا أن نهمل الواجبات اليومية المنطقية التي تساعدنا على الحياة ؟ بالتأكيد كلا. ولكن بالنسبة للمؤمن، يجب أن يكون هناك إختلاف في إتجاهه نحوها. فإذا كنا نعطي الإهتمام بشئون الله الأولوية – مثل طلب الخلاص الذي يقدمه، والحياة في طاعته، ومشاركة الآخرين بالأخبار السارة عن ملكوت الله – فإنه سوف يهتم بشئوننا كما وعد – وإذا كان هذا هو الإتفاق، فلماذا القلق؟
لقد وعد الله أن يهتم بخاصته، وأن يدبر كل إحتياجاتهم (فيلبي 4: 19)، ولكن أحياناً يختلف فكره بشأن ما نحتاجه عن أفكارنا، ويختلف توقيته عن توقعاتنا. فمثلاً، قد نرى حاجتنا للأموال أو الترقي، ولكن ربما يرى الله أن حاجتنا الحقيقية هي فترة من العوز أو الخسارة أو الوحدة. وعندما يحدث هذا، فإننا في أيدي أمينة. لقد أحب الله كل من أيوب وإيليا، ولكنه سمح للشيطان أن يدمر أيوب (تحت رقابته)، وسمح للمرأة الشريرة، إيزابل، أن تكسر روح نبيه إيليا (أيوب 1-2؛ ملوك الأول 18-19). وفي كلتا الحالتين، تبع الله هذه التجارب بإسترداد ومساندة
لذا على الأنسان أن يطلب البر بنفسه وحسب قول الرب ( أطلبوا أولاً البر ) فعلينا أن لا نهتم بالماديات الضرورية للجسد ، فنقول ماذا نأكل وماذا نشرب أو نلبس وكما تطلبها الأمم ، لأن أبانا السماوي يعلم بتلك الأحتياجات كلها . فعلينا أن لا نفرضها على البر والقداسة المطلوبة منا من قبل الله ، ولأن ملكوت الله هو الضرورة الملحة فيجب أن نسعى اليه أولاً ، أما المتطلبات الأخرى فهي مجرد ضروريات نحتاج اليها في الزمن فقط
ونوضح هنا ونقول ما هو الملكوت ؟ الملكوت هو حب الأنسان المطلق لله ، فعندما يعيش الأنسان على هذا المستوى من الحب فملكوت الله ستهيمن على عقله ووجدانه . أي عن طريق المحبة المتبادلة بين الخالق والمخلوق . فالمحبة تملك القلوب ! فتصبح قوية لا تهاب الخوف أو الموت ( يو 18:4) . لذا ليس ( أبناء الملكوت ) الذين هم أبناء الله قوماً يخافون الرب ، كما أنهم لا يخافون من وسائل الترهيب والتعذيب لأن الله هو راعيهم ، والمسيح قال أنا الراعي الصالح الذي أبذل نفسي عن خرافي . فملكوت المسيح هي مسيرة خلف المسيح الراعي الذي حمل الصليب متحدياً الموت . فالمؤمن بالمصلوب لا يخاف من الصليب ، بل يفتخر به كما أفتخر الرسول بولس قائلاً ( أما أنا فحاشى لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح ) (غل 6: 14)
ان الرب يسوع طلب من تلاميذه أن لا تخنقهم هموم الدنيا كما يخنق الشوك الزرع . فأوصاهم قائلاً ( أطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم ) ” مت 6: 31-33″ فعلى المؤمن أن ينظر الى الفوق لأنهم أبناء الملكوت ، ليسوا من هذا العالم رغم وجودهم في العالم . وجودهم في العالم له ايجابياته لأنهم ملح العالم والخميرة التي يجب أن تبقى في العجين . في كل مؤمن يوجد مَلَك المسيح وهذا الملك هو المحبة ، وشعاره الصليب ، وثمرته أعطاء النور لبني البشر لكي يشهدوا للحق ويقتربوا من الملكوت ، فالمطلوب من أبناء الملكوت في هذا العالم أن يسالموا جميع الناس وأن يحبوا حتى أعدائهم ، وأن لا يعادوا أحداً ، بل أن يحاربوا مبادىء الشر الكامنة لا في الآخرين فحسب ، بل في ذواتهم أولاً ، ان في كل مؤمن أنسان عتيق يقاوم الأنسان الجديد في نفس الأنسان . أي في كل أنسان هناك معركة بين الخير والشر ، بين الأنانية والتفاني ، بين المسيح وقوى الظلام ، بين النور والظلام ، بل بين ملكوت المسيح ومملكة الشيطان ، فعلى المؤمن أن يثق بقول الرب القائل في يو 33:16
( ثقوا أنني قد غلبت العالم )
د -بشرى بيوض