أكتب هذه القصة الواقعية ونحن نعيش عيد الرحمة الألهية، ودعوت الرب يسوع المسيح للقديسة فوستينا رسولة الرحمة الألهية.
المكان بغداد – العراق.
التاريخ ربيع عام 1995.
أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً
متى12: 7.
في أحد أيام فصل الربيع الجميل في بغداد الحبيبة، وأثناء فترة الحصار الأقتصادي العالمي، الذي كان يعاني منه العراق، وكم هي تلك الأيام الصعبة التي عاشتها العوائل الفقيرة المحتاجة لحاجتها الى المال لتعيش بكرامتها الأنسانية.
حيث زادت نسبة التسول من قبل الأطفال والنساء، ليناولوا بعض الصدقات والحسنات من الناس الخيرية، والبعض الأخر مارس مهنة التسول يلعب ويباغت بمشاعر وعواطف الناس ليحصل على المال الرخيص بعد أن يبيع نفسه وكرامته وهو ليس محتاج، ولكن هو الطريق السهل للحصول على المال من أبناء العراق الأخيار النجباء.
كانت توجد مكتبة لبيع المجلات والكتب والقرطاسية في احدى أحياء مدينة بغداد.
في أحدى الأيام، طرق باب المكتبة أحد الأطفال بعمر أثناء عشر ربيعاً تقريباً، وطلب من مساعدة او صدقة مالية من صاحب المكتبة، والرجل لم يقتنع بأعطاء حسنة من المال وتقديم مساعدته الى الطفل لعدم قناعته لكثرة الأطفال المتسولين الذين يمرون عليه يوميا أو أسبوعيا تقريباً.
في بداية الأمر قال صاحب المكتبة له: أذهب وأعمل بدلاً من هذا التسول، وبعد حديث قصيرة قال الطفل الى الرجل أرحمني!!!
قال له ماذا قُلت؟؟؟
قال الطفل بصوت هادي: عمو أرحمني!!!
هذه الكلمة هزت مشاعر الرجل وقال له: تعال أدخل الى المكتبة، بعد حديثه مع الطفل البريء، تبين هذا الطفل ذكي جداً، وبسبب الفقر والعوز لم يذهب بأنتظام الى مدرسته، وكان يعيل عائلته المكونة من أمه وأخوانه، لأن أبوه أستشهد من جراء الحرب الايرانية العراقية التي أستمرت ثمانية سنوات، وقال الطفل نحن من عائلة مشهورة وغنية وأمي تخجل من أن تمد يدها الى الأخرين، ولا تريد تشوه سمعتها العائلية التي تمتاز بها. هذه هي صفات المراة العراقية الأصيلة.
قال الرجل للطفل: قبل أن أعطيك أي شيئ، هل توعدني أن تعود الى المدرسة، وكل يوم تذهب اليها؟ فأجاب الطفل بكل ثقة: نعم عمو.
فاعطاء الرجل نقوداً ومجموعة من الأقلام والدفاتر والقرطاسية له والى أخوته، وقال الرجل له: متى تحتاج تعال لي من الأن، أنتَ مثل أبني البعيد عني ولم أشاهدهُ منذ زمن، وأن نجحت في هذه السنة سوف أعطيك هدية كبيرة. وكان الطفل بين الحين والأخر يمر يسلم على صاحب المكتبة بالذات بعد عودته من المدرسة ليبين له هو مستمر بالدراسة.
ما أجمل هذا الطفل عندما نجح في دراسته الى الصف الأخر قال للرجل: عمو يمكن أن توقع على شهادتي المدرسية، وأفتخر بكَ أنتَ عمي وأستاذي.
تعجب هذا الرجل من ذكاء وشجاعة الطفل عندما رأى درجاته السابقة والراسب بالدورس، وبعد عودته الى المدرسة تحسنت درجاته ونجاح الى صف أعلى. سابقاً كانت أمه توقع على شهادته المدرسية، ولكن كان أخر توقيع على شهادته المدرسية كانت بتوقيع الرجل صاحب المكتبة.
صاحب المكتبة لم يسأل الطفل عن دينه وعرقه ومذهبه، وكان ينظر الى الطفولة الضائعة من جراء الحروب والنزعات التي جرت على عراقنا حتى يومنا هذا.
ولكن الكلمة التي جمعت الرجل والطفل (أرحمني) التي هزت مشاعر الرجل الذي عرف معناها، أما الطفل قالها: ببراءة الطفولة النقية، كما قال معلمنا السيد يسوع المسيح: دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللـهِ. لو18: 16.
وبعد هذا الزمن الطويل، هل يلتقي الرجل مع هذا طفل رجل المستقبل؟
نتمى لكافة أطفال العالم لن ينحرموا من نعمة التعليم والدراسة، وأن يعيشوا طفولتهم البرئية بعيدا عن أستغلالهم من قبل تجار الحروب والأزمات في كل الأوقات.
شامل يعقوب المختار