بشارة القديس مار توما الرسول من أورشليم مروراً في بلاد الرافدين الى الهند والصين.

قَالَ يَسُوع لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي،
وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا.
أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ: رَبِّي وَإِلهِي!.

  • تذكارات القديس توما الرسول: تحتفل البطريركية الكلدانية في العراق – بغداد بعيد شفيعها القديس مار توما الرسول يوم الثالث من شهر تموز من كل عام، والقديس مار توما هو شفيع خورنة مار توما الرسول الكلدانية في هولندا. وكثير من الكنائس في العالم تحمل أسم القديس مار توما ليكون هو شفعيها، وبألاخص في بلاد الهند.
    أما الكنيسة اللاتينية فتعيد بتذكار أستشهاده في 21 كانون الأول وبقية كنائس الشرق يعيدون له في السادس من تشرين الأول.
    الكنيسة في بلاد الهند تحتفل بعيده في أول من تموز من كل عام.
    تعيد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأستشهاده في 26 بشنس(أيلول) من كل عام، كما تعيد بظهور الرب له في السادس من شهر برمودة (آب) بما يعرف بأحد توما.
  • عيد أحد توما: ويسمى أيضاً الأحد الجديد، ويعتبر من الأعياد السيدية الصغرى. وتحتفل به الكنيسة منذ القديم، وهو تذكار ظهور السيد المسيح للرسل وأعلان ذاته الى القديس توما ليثبت أيمانه. والكنيسة تحتفل بهذا العيد حثا لبنيها على الثبات في النعمة والثقة بمواعيد اللـه الصادقة، وتنفيذاً لقول الرسل: بعد ثمانية أيام (1) فليكن لكم عيداً الأن في هذا اليوم الثامن، أضاءني الرب أنا توما، إذ لم أومن بقيامته، وأراني آثار المسامير وأثر الحربة في جنبه. (2).
  • دعوة السيد المسيح: نتأمل برسل وتلاميذ المسيح الذين لو لم يدعهم السيد يسوع المسيح إليه لكانوا قضوا في حياتهم من غير أن يعرف بهم أحد في العالم سوى أهلهم وجيرانهم والعاملين معهم، مَن هولاء الذي أقامهم يسوع قديسين لا يزال العالم يذكرهم ويتشفع الناس بهم الى يومنا هذا. فأن الرب يسوع دعى هولاء الرجال لنشر رسالته، ولم يكن في حاجة الى حروب وغزوات، ولم يطلب أن يكون تلاميذه رجال حرب أشداء يبطشون بأعدائهم، وأختارهم أن يجاهدوا جهاد المحبة والكمال والسلام ضد الظلم والخطئية والمرض في العالم فيسعوا نحو الحياة الجديدة فيطوفوا في كل مكان بنشر كلمته ويعملوا عمله. لهذا السبب أسند الرب منذ البداية خدمة كرازته المجيدة لأشخاص ضعفاء وخطاة ولم يختار ملائكته، لأنه من الواضح أن القوة التي تعمل في ضعف البشر هي قوة اللـه، وهذا يشجعنا نحن أيضاً لأن معونة اللـه هي لمن هم ضعفاء مثلنا واللـه نفسه يسره أن يختار مثل هولاء لكي يستخدمهم بالتالي فيمن هم ضعفاء مثلهم كما قيل: قَادِرًا أَنْ يَتَرَفَّقَ بِالْجُهَّالِ وَالضَّالِّينَ، إِذْ هُوَ أَيْضًا مُحَاطٌ بِالضَّعْفِ.عبرانين5: 2. ولا غرابة في الأمر لأن السيد المسيح أختار تلاميذه ليسوا من رجال الحرب، لكي يفتح بهم العالم، بل لكي يشفي بهم النفوس المريضة ويبشر الجهاد الروحي ويعزي الحزانى ويعين الضعفاء ويقبل التائبين.
  • توما الرسول ضمن الأثنى عشر: لقد أختار يسوع تلاميذه ليكونوا شهوداً ويعلنوا للعالم ما قد رأوه وسمعوه منه، فكانت خدمتهم أجل خدمة أسندت للأنسان بعد خدمة المسيح نفسه، فهم عاملون مع اللـه لأجل خلاص العالم وبناء نواة كنيسة العهد الجديد. فقد عرف السيد المسيح تماماً ضعف الرجال الذي أختارهم، اذ كانت فيهم ضعفات كثيرة، فكان منهم من هو بطئ القلب كفيلبس، والطالب مركزاً كيهوذا، ومن هو مندفع كبطرس، ومن هو شكاك كتوما، ولكن الرب أختارهم لكي يخدمهم أولاً وقد صلى لأجلهم، وهكذا بعدما وضعوا ذواتهم بين يدي المعلم في تكريس حقيقي قادهم في طريقه وجعلهم آنية صالحة لحمل أسمه. ورفعوا أنوار الأنجيل الى العالم باسره ممسكين بكلمة الحياة. وَدَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ، وَأَعْطَاهُمْ قُوَّةً وَسُلْطَانًا عَلَى جَمِيعِ الشَّيَاطِينِ وَشِفَاءِ أَمْرَاضٍ، وَأَرْسَلَهُمْ لِيَكْرِزُوا بِمَلَكُوتِ اللهِ وَيَشْفُوا الْمَرْضَى. وَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَحْمِلُوا شَيْئًا لِلطَّرِيقِ: لاَ عَصًا وَلاَ مِزْوَدًا وَلاَ خُبْزًا وَلاَ فِضَّةً، وَلاَ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ ثَوْبَانِ. وَأَيَّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَهُنَاكَ أَقِيمُوا، وَمِنْ هُنَاكَ اخْرُجُوا. وَكُلُّ مَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ فَاخْرُجُوا مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَانْفُضُوا الْغُبَارَ أَيْضًا عَنْ أَرْجُلِكُمْ شَهَادَةًعَلَيْهِمْ. فَلَمَّا خَرَجُوا كَانُوا يَجْتَازُونَ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ يُبَشِّرُونَ وَيَشْفُونَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ. لوقا11: 1-6.
  • صفات القديس توما الرسول:
    • منجزاته ونواحي القوة في شخصيته: أحد الأثنى عشر تليمذاً ليسوع، لديه قدر ضخم من كل من الشك والأيمان، رجل وفي وأمين.
    • ضعفاته وأخطاءه: تخلى مع الأخرين عن يسوع عند القبض عليه، رفض تصديق أقوال الآخرين عن رؤيتهم للمسيح، وطلب دليلاً على ذلك، ناضل مع النظرة المتشائمة.
    • دورس من حياته: يسوع لا يرفض الشكوك الأمينة والموجهة نحو التصديق والأيمان، أن أفصاحك عن الشك أفضل من كتمانك لعدم الأيمان.
    • الآية الرئيسة: ثم قال يسوع: لتوما هات أصبعك الى هنا، وأنظر يدي، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل كن مؤمناً. فهتف توما: ربي وإلهي. يوحنا20: 27 – 28. (3).
    • وآية أخر: ولما كان اليهود يطلبون رجم يسوع أظهر توما شدة تعلقه بمعلمه، فقال التوأم للتلاميذ رُفقائه: لنذهب نحن أيضاً ونُموت معهُ. يوحنا11: 16.
  • مَن هو توما الرسول: ولد القديس توما فقيراً في أقليم الجليل، ولو أنه كان من سبط يهوذا من أورشليم، وأسم أبيه (ديونانوس) وأسم أمه (رواوس) (3)، وأسم توما باللغة الأرامية يعني (التؤام) واليونانية (ديديموس) (4). لأنه كان توأما في ميلاده الجسداني، ولكن كان تؤاماً أيضا في روحه حيث التقى في شخصية الأيمان وعدم الأيمان، والمحبة بالسذاجة، ورأينا فيه يعقوب يصارع عيسو!
  • نبذه مختصره عن حياته: وقد عرف القديس في دائرة مدينته، ولسنا نعلم متى نزح والديه الى أنطاكية حيث نما وتربى في شمال الجليل، وربما مضى الى هناك في صباه لينال قسطاً من التعليم. ثم نرى بعد ذلك عاد ليستقر في منطقة الجليل الجنوبية حيث كان شمال الجليل يعيش سكانه في مستوى أحط من أهل الجنوب، حتى كانوا يستهزأون بهم وبلهجتهم ونرى الخدام الذين أمسكوا يسوع كانوا يستهزاون ببطرس حين كان يستفا معهم وقالوا له: أنتَ جليلي ولغتك تظهرك (5). وَبَعْدَ قَلِيل أَيْضًا قَالَ الْحَاضِرُونَ لِبُطْرُسَ: حَقًّا أَنْتَ مِنْهُمْ، لأَنَّكَ جَلِيلِيٌّ أَيْضًا وَلُغَتُكَ تُشْبِهُ لُغَتَهُمْ!. مرقس14: 70. وليس هذا فقط بالنسبة للخدام بل علماء اليهود أنفسهم ذكروا في المناقشة التي دارت بينهم (أنه لم يقم واحد من الجليل).
  • تبشير القديس توما: جال الرسول توما مبشراً من أورشليم الى بلاد ما بين النهرين، العراق حالياً، وأسس كنيسة المشرق بعد ذلك ترأسها الرسولان مار أدي ومار ماري ونشرها في ربوع ما بين النهرين، وعرج القديس الى أوسط في بلاد الحبشة (7) وكرز في بلاد الهند والصين، وقضى الوقت الأكبر من حياته الكرازية والتبشرية في الهند.
  • أنضمام كنيسة المشرق الى كنيسة روما: بقيت كنيسة المشرق منعزلة عن كنيسة روما وسلطة أسقفها قرونا عديدة بسبب وقوعها في مناطق نفوذ الأمبراطورية الفارسية المعادية للأمبراطورية الرومانية والتي كانت تقع ضمن مناطق نفوذها. عندما أختار بعض من أباء كنيسة المشرق الأنضمام إلى كنيسة روما وأعترفوا بسلطة البابا عام 1553 على يد البطريرك يوحنا سولاقا، وتم أختيار أسم لهذه الكنيسة (الكنيسة الكلدانية) وسمى كرسي بطريركها بـ (كرسي بابل) أعترافا بقدمها حيث أثار أقدم كنائسها نشاهدها اليوم في المدائن – قطيسفون (8) عاصمة الفرس وبديلة بابل الشهيرة. وتعرف بكنيسة كوخي ويرقى تاريخ بنائها إلى أواخر القرن الميلادي الأول أو بداية القرن الميلادي الثاني.
  • التواصل الكنسي والرعوي: مازال التواصل مستمر بين البطريركية الكلدانية في العراق مع كنائس الهند الكلدانية (9)، يوجد حالياً ما يقرب أكثر من خمسة عشر مليون كلداني هندي في بلاد الهند، ويتكلمون اللغة الكلدانية، ويمارسون صلاتهم وقداسهم حسب الطقس الكلداني.
  • القديس توما في شبابه:عاش القديس توما في أقليم الجليل، يعمل هناك نجاراً في بأدي أمره (10). وربما كان من أصدقاء الطفولة ليسوع في وطنه، ولذا لما التقى به يسوع فيما بعد عرفه وأحبه، وكان مقرباً الى يسوع، ونرى أن السيد فيما بعد يبيعه كعبد نجار ليكرز في الهند. ونرى الرسول توما ويصور في أيقونته في تراث الكنيسة البيزنطية وبعض التقاليد الكنائس الشرقية حاملاً زاوية نجار، لأنه كان نجاراً، وكما يرسم الرسول وهو يمسك بمسطرة بيده، يشير بها عادة الى أن الرسول لا يصدق خبراً حتى يقيسه! غير أننا رأينا يعمل بعد ذلك في مهنة صيد السمك وربما تعلم هذه المهنة بعد نزوحه حول بحيرة طبرية، حيث تحتم على كل يهودي أن يعمل في أية مهنه جانبية ليعيش منها، وظل في منطقة الجليل الوسطى الى أن جاء يسوع الى هناك ليعلم ويبشر بملكوت السماوات حيث أنصت الى تعاليم يسوع فأحبه وتبعه. وقد وهب اللـه توما الشاب نفساً صالحة وقلباً نقياً يميل الى الفضيلة منذ صباه، فكان راغباً في قراءة الكتب المقدسة، والى معرفة الحق ولذلك تأهل لمعرف السيد يسوع المسيح. ولما وجد فيه الرب كل هذه الأستعدادت دعاه ليصير تلميذاً له.
  • توما بين الشك واليقين: لقد كان توما مثال الشاب المتشائم الذي تغالبه شكوكه، فكان يتميز ببطء في الأيمان يتطلع الى الأمور من الناحية المظلمة إذ كان عصبي المزاج لا يقبل أي فكر دون أن يعمل له ألف قياس وحساب، لذلك بات سريع اليأس كثير الأرتباك يكبر الأمور عن طبيعتها، وكما وصفه بعض الكتاب الغربيين بقولهم: لقد أجتمع الشك واليقين وسيظلان يصطرعان حتى تعقد الغلبة بأحدهم على الآخر. وسنرى كيف عملت فيه نعمة السيد المسيح فحولت هذه الطبيعة المملؤه بالضعفات الى شيئ نافع لخدمته وملكوته.
  • الرسول توما في الهند: ييتفق جمهور المؤرخين على أن المسيحية وصلت الى سواحل جنوب الهند عام 52 ميلادية حيث تأسس الكرسي التوماوي هناك، ولا سيما في مناطق (ترافتكور) و (كوشين) و (ملابار). أي أن توما الرسول حمل نور الكرازة المسيحية مبكراً الى الهند وتعتبر من أولى البلاد التي وصلت أليها المسيحية بعد صعود السيد المسيح الى السماء، وقبل وصول المسيحية الى بلاد أوروبا الغربية.
  • ولاءه ومحبته ليسوع: ورغم ما ساد على صفات توما من علامات القلق والأرتباك والنفس المكفهرة إلا أنه كان الشخص الذي إذا آمن وصدق بشيئ من الأمور فلن يزحزحه عن أيمانه شئ، فطالما أحب يسوع يبعه وظل يعمل معه كل الوقت ولم يزعزع أيمانه شئ، حيث نلمس تمسكه وشجاعته حين قال السيد المسيح لتلاميذه: أن لعازر مات، وأراد أن يمضي الى أورشليم ليقيمه فاعترض التلاميذ من أجل مؤامرات اليهود لقتل المخلص، إلا أن توما وحده كان جوابه لزملاءه، فَقَالَ تُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ لِلتَّلاَمِيذِ رُفَقَائِهِ: لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضًا لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ يوحنا11: 16.
  • قصة ذهابه الى الهند: يبدو أن الرسول كان متخوفاً من ذهابه الى الهند في بدئ الأمر، ربما خشى من طول السفر كما حسب صعوبة التخاطب مع قوم لا يعرف لغتهم أو طباعهم فضلاً عن أنهم كانوا من البرابرة، فقد تردد في المضى الى هناك ورجع مقيداً بالروح الى أورشليم حيث شاهد صعود جسد السيدة مريم العذراء الى السماء ومكث هناك بعض الوقت، وقيل أنه خاطب السيد المسيح قائلاً: الى أي مكان تريدني أن أذهب إليه فأنا مستعد ياسيدي ما عدا بلاد الهند، فكيف أمضى الى هناك منادياً بكلمة الحق وأنا أتكلم العبرية؟ ولكن الرب بحسب ما كان يتعامل معه ويحل أشكالاته تراءى له في تلك الليلة وخاطبه قائلاً: لا تخف يا توما تكفيك نعمتي، أذهب الى الهند وبشر بالكلمة هناك فأنا معك، ولم يتركه الرب وشأنه بل قد دبر طريقة ذهابه الى هناك.
  • توما الرسول يلتقي مع المجوس: أما توما الرسول فمضى الى بلاد فارس، حيث إلتقى هناك مع المجوس الثلاثة الذين جاءوا الى السيد المسيح في ميلاده. ثم علمهم وعمدهم بعد ما بشر هناك بملكوت السماوات وقد استنارت بكرازته بلاد عاديين والفارسيين والبارتيين وترك المجوس هناك ليكملوا الكرازة لأولئك البرابرة. وبعد اقام مار أدى الرسول أول سقف على مدينة الرها (11) وكنائس العراق هناك تركه يحمل مصباح الأنجيل الى بلاد ما بين النهرين حيث أن الرسول مار ادى قضى حياته الى أن أستشهد هناك ودفنه وسميت مدينة الرها بعد ذلك بأسمه (أى أوديسا). ثم مضى توما الى بلاد الهند ليكرز هنالك وقبل ذلك جاءه هاتف من الروح القدس لينهض مسرعاً إلى أورشليم.
  • طريقة ذهاب الرسول الى الهند: فحدث أن تأجراً كان من بلاد الهند يدعى (عبانيس) وشهرته حبان، قدم الى أورشليم مرسلاً من قبل الملك جون دافرس ملك البلاد ليبحث له بين اليهود عن نجار ماهر، وقد كانت مهنة توما النجارة، ويبدو أن يسوع لما رأى حيرة توما وتردده ظهر الى عبانيس التاجر بصورة منظورة في سوق أورشليم وقال له: هل تريد أن تشتري عبداً يحترف النجارة؟ فأجابه: نعم فقال له يسوع: لدى عبد نجار وأنا أريد أن أبيعه لك، ثم أشار الى توما الذي دبرت العناية الإلهية حضوره في ذلك الوقت، وهكذا تمت الصفقة وقبض يسوع الثمن وأعطى الرجل الهندي صك الملكية على النحو: أنا يسوع بن يوسف النجار أقر وأعترف أني بعت عبدي المسمى توما الى عبانيس التاجر الموفد من قبل الملك جون دافرس ملك الهند، وبعد وقع يسوع على الصك سأل التاجر توما هل هذا سيدك؟ فأجاب توما: نعم هو ربي. فقال له لقد أشتريتك منه، فهز توما رأسه بالايجاب، فأخذه التاجر معه الصباح الباكر قبل شروق الشمس وقف وصلى هكذا لتكن مشيئتك يا ربي يسوع فإني سوف أذهب حيثما تريد، وهكذا بدأت رحلة القديس توما الى بلاد الهند.
  • قصة الرسول توما مع العروسين: بعدما رافق توما التاجر الهندي في طريقهما الى الهند توقفت السفينة في الطريق عند أحد المواني المسمى (اندرابوليس) وبقيت هناك أياماً وكانت هناك أحتفالات زفاف لأبنة حاكم المنطقة وقد دعى بالضرورة كل أهل المدينة، ومن كان لا يحضر كان يستجوب أمام الملك فمضى توما أيضاً الى هناك وأظهر توما أعجابه بما تغنيه أحدى الفتيات على الناي، اذ كانت تنشد مقطوعة على غرار المزمور الخامس والأربعون، وأنتهز توما هذه الفرصة وتحدث لهم عن النفس البشرية في شخص عروس النشيد، وعن عظم محبة المسيح لها، وعن مجد الفرح الأبدي وأنشد لهم المزمور نفسه، وكان نتيجة حديثه المبارك أن ظهر السيد المسيح في رؤى الليل لهذين العروسين ودعاهما للأيمان ولما سمع الحاكم بذلك، أرسل في طلب توما ومن معه، ولكنهما كانا قد غادرا المكان في السفينة الى الهند.
  • قصة بناء القصر السماوي: ما أن وصلت السفينة الى جنوب الهند حتى أخذ توما الى قصر الملك، وقد أعجب به الملك وأحبه جداً لحكمته وعفته، ولما سأله عن صناعته، أجابه الرسول أن يشيد القصور الفخمة، وكان الملك مزمعاً أن يقوم برحلة الى أطراف المملكة فطلب من القديس أن يشيد له قصراً حتى حينما يعود يجده قد أكمل، وأعطاءه المال الكافي ليشتري كل ما يلزم ولينفق على الرجال المساعدين له. وأن توما أخذ المال وأنفقه على الفقراء والمحتاجين، ولما عاد الملك أخبره توما أن القصر على وشك الأتمام، وفي نهاية الأمر أستدعاه الملك وسأله عن القصر فأجابه توما قائلاً: لقد أقمته لك لكنك لا تستطيع أن تشاهده أو تتمتع بجماله في الحياة، وستراه وتستريح فيه بعدما تفارق هذا العالم، فأستشاط الملك غضباً وأمر أن يلقى توما في السجن لحين قتله، وفي تلك الليلة رأى أخ الملك حلماً أن أخوه هذا مات فشاهد الدينونة وهولها ثم رأى قصراً عظيماً في السماء والملائكة حوله وقيل له أن قصر أخيه الحاكم! وبعد ذلك أستفاق هذا الأخ وقام وقيل أن توما قد أقامه من الأموات في محضر الملك فقصى ما رأه وعاينه وطلب من أخيه أن يبيعه هذا القصر، فرفض وآمن بالسيد المسيح على يد القديس توما وأعتمد هو وأهل بيته وأطلق سراح القديس وترك له الحرية ليعلم الشعب عن الأيمان المسيحي.
  • تجول الرسول توما في بلاد الهند: وتشير الدلائل التاريخية (13) أن توما الرسول بعد ذلك قام بجولات تبشرية حيث نزل الى مدينة (كدنجلور) فرحب به الملك (تشيرمان ابرمال). كما تجول في أنحاء (كيرالا) وأنشأ بعض الكنائس هناك. وبعض المؤرخين الهنود قالوا: بأن توما نزل أولاً الى البر في (مالا نكارا) بالغرب من مقاطعة (كدنجور) وقام بالتبشير في ( كيرالا) قبلما يتوجه الى (مدراس) غير ان الرسول بقى هناك مدة طويلة من الوقت، وأنشأ عدة كنائس هناك.
  • قصة بناء أول كنيسة في الهند: قيل أنه بعدما مضى الى مدينة (مليابور) حيث كان قد آمن كثيرون بالرب يسوع فأستأذن توما الملك في بناء كنيسة فلم يأذن له، ثم أتفق الوقت في ذلك الوقت أن أمواج البحر ساقت الى الميناء خشبة عظيمة وثقيلة جداً فرام الملك أن يخرجها ويأخذها لبناء بلاطه، فلم يتمكن من ذلك أعظم رجاله فلم يقدروا أن ينقلوها أو يحركوها مع أن الملك حاول بكل جهد وحيلة ففشل حينئذ تقدم القديس وقال للملك: هبني هذه الخشبة لبناء الكنيسة وأنا أحملها وحدي وأراد الملك أن يعرف صدق ذلك، فأمره أن يأخذها. وأمام الجميع صنع توما الأعجوبة العظيمة بقوة السيد المسيح حيث أنه ربط الخشبة بمنطقية وصلب عليها بعلامة الصليب وشرع بسحبها، فكان كمن يجر تبنة على وجه المياة. وأمام هذه الأعجوبة العظيمة آمن الملك بإله توما وكل رجال قصره وسمح للقديس أن يبني الكنيسة، ولما أكملها نصب عليها صليباً كبيراً وتنباً قائلاً: أنه متى أقتربت مياة البحر من هذا الصليب (وكانت وقتئذ بعيده جداً) حينئذ سيأتي أناس غرباء من بلاد الغرب ويقومون بنهضة مسيحية لهذه البقعة وقد تم ذلك بالفعل، وتوجه توما بعد ذلك الى (مدراس) حيث أقام هناك سبع كنائس في المدن التالية: (كدنجلو)، (برورو) ، (كوبلن)، (وبالى يورام)، (وكوناما انجلام)، (وبال بور)، (ونالاكال).
  • قبول ملك جزيرة ولبارباتم المسيحية: وجدت الكرازة المسيحية قبولاً ملحوظاً في جزيرة ( ولبارباتم) حينما مضى إليها توما حيث كان ملك الجزيرة قد زار السيد المسيح في حياته على الأرض، وحينما جاء توما الى الجزيرة وجد استعداداً للأيمان وأرضاً خصبه ومن بعدها توطدت الصلة على يديه بين كل من هذه البلاد وبلاد الشام وفلسطين.
  • تبشير الرسول توما الى الصين: ظل توما الرسول يتنقل من ولاية الى ولاية فبشر في ولاية (تاميل) ثم أنتقل الى(كورمندال) على الساحل الشرقي وقيل أنه وصل الى حدود الصين. (ويذكر الأب كيرلس اليسوعي العلامة المشهور في تأليفة على الصين) أن البرتغالين عند مرورهم بمسيحي مليابور سمعوهم يتلون في كتب الصلوات باللغة السريانية ما ترجمته أن القديس توما أجتذب الى الأيمان المسيحي الحبشة.
  • أضطهاد القديس توما: ومضى القديس توما يبشر في بقية أجزاء الهند حيث قابلته متاعب كثيرة مع الملك مازادت لأن القديس كان قد حول زوجته وأبنته وأخرين معهما من ذوى الرتب العالية الى المسيحية، فبحث الملك عن القديس يريد قتله فهرب وباع نفسه لأركون من أراكنه الهند يسمى (أوكيوس) على أنه طبيب ولكن هذا الرئيس سخر منه وسلخ جلده، غير أن القديس لم يمت بل ظل أياماً يحمل جلده على كتفه وكان يشفى المرض ويقيم الموتى وأدخل خلقاً كثيراً الى الأيمان. بعد هذه الأحداث عاد توما يتفقد أبرشيته في الهند والعجم وفارس حيث قضى سنين طويلة في هذه النواحي وأقام للهنود أساقفة يخضعون لمتروبوليت بلاد فارس وظل الحال هكذا في القرون الخمسة الأولى حيث أضطهدوا من الولاة الوثنين وهرب كثير منهم الى جبال ملبار، وبعضهم أتبع ضلال نسطور التي تغلغلت في تلك البلاد.
  • صلاة القديس وأستشهاده: ظن الشعب أن الملك أراد أن يتفهم مع القديس بعض الأمور بعيداً عن الشعب في حين أن الملك سلمه لأربعة جنود أمرهم أن يصعدوا به الى قمة الجبل، ومضى الملك الى قصره، وأن القديس الذي علم أن ساعته قد أتت، جثا على ركبيته وصلى هكذا: يا ربي وإلهي يسوع المسيح، رجائي وقائدي في كل الممالك، أتبعك يا سيدي مع كل الذين يخدمون أسمك وليتك تقوني هذا اليوم أيضاً في الطريق إليك، وتدع أحد يقبض روحي التي وهبتني أياها، ولا تترك رعاع القوم يبحثون عنى، أو تدع التنين ينتصب أمامي ولا أبناء الوحش يصرون بأسنانهم حولى لقد أكملت ما أعطيتني لأعمله، بل لقد صرت عبداً من أجلك فهبني يا رب الحرية فيك وأجعلني كاملاً بغير تذبذب أو تردد ويسمع الكل بمجدك في لآنه يليق بك المجد والعظمة الى الأبد آمين. وبعدما أتم صلاته نادى الجنود الموكلين به وطلب إليهم أن يتموا قتله، فهجم عليه الأربعة جنود وطعنوه بالحراب حتى أسلم روحه الطاهرة في مدينة ملابور. وكان ذلك في 3 تموز سنة72 فبكى عليه جميع الأخوة وأخذوا جسده الطاهر وضعوه عليه أطياب غالية ولفوه بلفائف كتان ووضعوه في مقبرة الملوك التي كان يدفن فيه الملوك القدامى.
  • قبر القديس توما: يرجع بعض المؤرخين أن القديس أستشهد في مدينة (كلامينا) التي سميت فيما بعد بأسم القديس توما وتوجد الآن في مدينة (ميلامبور) مقبرة عظيمة يقال أنها مقبرة القديس توما الذي أستشهد هناك. وبجوار هذه المقبرة جبل يسمى جبل القديس توما وهو يقع في مدينة كلامينا.
  • أكتشاف المقبرة ونقل العظام: ذكر بعض الرحال البرتغاليون أنهم وجدوا عظام القديس توما في مدينة ميلابور، هذه المدينة التي سموها على أسم القديس، هذا بخلاف أن التاريخ الرهاوي يذكر (14) أن عظام الرسول نقلت من مليابور في سنة 705 ميلادية الى مدينة الرها حيث شيدت عليها كنيسة على أسمه في أيام قورش أسقفها. ولو أن القديسان (أيرونيموس و رفوينوس) يؤكدان أن جسد القديس بقى في الهند الى عصور متأخرة، إلا أن مؤلف كتاب مصباح الظلمة يذكر أن جسد القديس موجود في جزيرة سوماطرة، وأن المؤلف شاهده بنفسه حيث يعمل له أحتفال في يوم 26 بشنس (أيلول) من كل عام وأن القديس توما يخرج كفه خارج المقبرة بارزة رطبه لم يصبها الفساد وأصابعه التي لمس بها جراح المخلص باقية باظافرها الى هذا اليوم وتستمسك يده بواحد ممن يصافحونه، ويخدمه سنه، واذا أنقضت يمسك غيره في يوم عيده. ويذكر التاريخ أن الملك يوحنا الثالث ملك البرتغال، أمر رجاله بالتفتيش عن القديس توما في خرائب معبد قديم كان مبنياً على قبر منسوب الى القديس توما خارج أسوار مليابور وبالفعل قاموا بحفريات في الأرض سنع 1523 فكشفوا عن عقد على شكل كنيسة كانت بها عظام القديس مع جزء من الحربة التي قتل بها وقنية مخصبة بدم، فقاموا بوضع هذه الأشياء في أناء ثمين ووضعوا بجانبها أيضاً عظام الملك الذي كان قد آمن على يديه وعظام بعض التلاميذ، وانشأ البرتغاليون قرب الموضع مدينة جديدة أسموها سان توما.
  • تطور المسيحية في الهند: أمضى القديس مار توما الرسول في بلاد الهند مدة تربو على العشرين عاماً، عمد فيها كثيرين من البراهمة وأنتهت حياته حين أستشهد سنة 72 ميلادية في المكان المسى الآن جبل توما في مدراس في الهند.

نسأل الرب القدير وأبنه يسوع المسيح الفادي والمخلص أن تكون سيرة القديس مار توما الرسول بركة للجميع بشفاعة أمنا مريم العذراء، ولإلهنا المجد الدائم الأبدي. آمين.

شامل يعقوب المختار

المراجع:
 الكتاب المقدس.
 التفسير التطبيقي للكتاب المقدس.
 القديس توما الرسول، تأليف القمص بيشوى عبد المسيح، وكيل مطرانية الأقباط الأرثوذكس بدمياط. أصدار مكتبة المحبة، مصر. رقم الإيداع بدار الكتب 3178/88.
الهومش:
1.اليوم الثامن: في أورشليم أعتادوا في القرن الأول أن يحصوا اليوم الأول والأخير عندما يتحدثون عن فترة زمنية معينة. لهذا فإن القول: وبعد ثمانية أيام تعني بالنسبة لنا اليوم الثامن، أو بعد سبعة أيام، وهو الأحد الأول بعد القيامة أعلن السيد المسيح نفسه لتوما. يشير اليوم الثامن إلى الدهر الآخر. يقدم لنا الإنجيل لقاء آخر مع التلاميذ والأبواب مغلقة. لم يلتقِ معهم كجماعة طوال أيام الأسبوع من الاثنين حتى السبت، ليؤكد لهم أنه لا يعود يسلك معهم كما قبل الصلب، فقد حان الوقت لإعدادهم لصعوده. بعد القيامة صار وضعه الطبيعي كأبن الإنسان القائم من الأموات هو السماء. وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا دَاخِلًا وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ وَقَالَ: سَلاَمٌ لَكُمْ!. يوحنا 20: 26.

  1. قوانين الرسل.
  2. التفسير التطبيقي للكتاب المقدس. صفحة2245.
  3. عن كتاب مصباح الظلمة للعلامة أبن كبر.
  4. دعى في كتاب أعمال توما بأسم يهوذا، وكما يدعوه القديس مار أفرام السرياني، وربما بهذا السم في عشيرته.
  5. موجز تاريخ المسيحية عند ملر.
  6. بلاد الحبشة يسميها فم الذهب حبشة آسيا وهي غير بلاد الحبشة) الصين والعجم.
  7. قطيسفون: حاليا قضاء المدائن أو (سلمان باك) يقع جنوب شرق وتبعد عن العاصمة بغداد 35كم .
  8. البطريركية الكلدانية في العراق: كهنة وراهبات من كنيسة ملابار- الهند للخدمة في الكنيسة الكلدانية.
    اعلام البطريركية: وصل صباح الخميس 22 آب 2019 الى بغداد كاهنان من كنيسة ملابار – الهند للخدمة في ابرشية بغداد وهما الأب بول والأب جورج من الرهبنة الكرملية، كما سبق ان جاءت ثلاث راهبات من نفس الكنيسة للخدمة في ابرشية اربيل وست راهبات في ابرشية كركوك والسليمانية.وعندما زار وفد من الكنيسة الكلدانية الملابار- الهند العام الماضي طلب منهم المساعدة في ارسال كهنة وراهبات الى العراق. كما هو معلوم ان كنيسة ملابار كانت تابعة اداريا الى كنيسة المشرق منذ نشأتها والى القرن السادس عشر… وحاول البطريرك يوسف اودو اعادتها الى الكنيسة الكلدانية في القرن التاسع عشر وارسل اليها اساقفة، لكن الوضع لم يدم، اذ وضعت كنيسة روما اليد عليها… انهم الى اليوم يتبعون الطقس الكلداني، لكنهم ترجموه الى لغتهم المحلية ملايالم بعد المجمع الفاتيكاني الثاني (1963-1965). انهم يسمون انفسهم ايضا بمسيحيي مار توما الرسول. كنيستنا الكلدانية كانت ترسل لهم كهنة وأساقفة واليوم هي كنيسة مزدهرة بإمكانها مساعدتنا. يمكن زيارة موقع البطريركية الكلدانية الكتروني.
  9. مروج الأخبار، متى هنري، تفسير وليمم باركلي.
  10. مدينة الرها تُعتبر مملكة الرها مهد الآداب والعلوم السريانيّة القديمة، ويُعرف عن هذه المملكة أنّها نشأت في عام مئة واثنين وثلاثين قبل الميلاد، في شمال بلاد ما بين النّهرين، تحديداً شمال منطقة الجّزيرة في سوريا، وقد سميت بعدّة أسماء منها: مدينة أسروينا، وأورهي، وأدما، وأديسا، وعربايا ، ويذكر بأنّها أوّل الممالك التي اعتنقت الديانة المسيحيّة ولهذا السبب لُقبت بالمدينة المقدسة.
  11. يذكر المؤرخ بطلر نقلاً عن الوثائق القديمة
  12. عن بحث للدكتور محي الدين اللوائي مأخوذ عن كتاب منجزات توما الرسول للكاتب السوري بارديسا نيزا بالسريانية ومحفظ النسخة الأصلية بالمتحف البريطاني.

عن شامل يعقوب المختار

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …