مهما كانت الصفات التي أُطلقت وتُطلقُ على المواطن العراقي والواردة على لسان علماء السايكولوجيا والاجتماع والسياسة وأرباب الثقافة والتربية والعمل من كونه عنصرًا جادّا وقت الجدّ في العمل والدرس ومتباطئ التفكير أو كسولاً متى قرّر منح نفسه فترة استراحة، إلاّ أنه في حقيقة تركيبته فردٌ مبدعٌ حين تتوفر بين يديه وأمامَه فرصُ الإبداع ويُمنح الوقت الكافي لإبراز هذا النمط من النشاط والتألّق. وهناك الكثير من المواهب والقدرات الكامنة التي لو أُتيحت لها فرصة لنطقت مشاريع وأنجبت عملاً في التخطيط والتنفيذ والتوجيه والإشراف وتقديم الحلول الناجعة. ومن الطبيعي حينما يُمنح الشخص الكفوء مجالاً لإطلاق ما في جعبته من مبادرات وخطط ومشاريع وتوصيفات نافعة في مجال عمله، تتفجّر تلك الطاقات لتُترجمَ إلى أفعال ومنجزات بفضل الكاريزما الخفية التي يكتنزها في ذاكرته وعقله وروحه الفياضة بالرغبة بتقديم الأفضل دومًا لخدمة الآخر، مهما كان هذا الآخر وأينما كان من دون تحديد الزمن والمكان. فالمبدع يبقى مبدعًا في مسيرته وسلوكه رافضًا المراوحة في مكانه لحين حثّه أو إبلاغه بفعل ما يترتب عليه من عمل أو تفرضه عليه الوظيفة المكلّف بها لخدمة العامة وليس في تحديد مهام عمله وحصرها في حدود ما يخصُّه هو أو يخصّ فئتَه أو طائفتَه أو دينَه أو عائلتَه.
هذا هو الإبداع بعينه في أي مجالٍ تبرزُ فيه كفاءة الفرد من دون أن يتنمّرَ على الغير أو يتغوّلَ أو يفرض رأيًا أو سلوكًا لا يتوافق مع حاجات الغير الضرورية والآنيّة التي تتزاحم أحيانًا مع الحدث وتفرضها ظروف غير طبيعية وشاذة تتطلّبُ الجرأة وسرعة البديهة واتخاذ القرار الصائب. ووزيرة الهجرة والمهجَّرين المتألّقة إيفان جابرو قد أثبتت منذ توليه المنصب الوزاري ولغاية الساعة أنها جديرة به بفضل نشاطها المتألّق وكفاحها من أجل نشر الفرح والمحبة والرحمة وزرع أشكال الراحة والسكينة والاستقرار في نفوس مَن تمّ تكليفُها بخدمتهم ورعايتهم والإشراف على احتياجاتهم بفعل ما أصابهم من هول الكارثة وبسبب مجمل الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية من قبل دولة الخرافة الإسلامية التي أحرقت ودمّرت وقتلت وسبت وهجّرت واغتصبت وأربكت البلد والمنطقة والعالم على السواء.
طاب لي جدًّا وأثلج صدري حين لقائي قبل أيام ضمن مهمة وظيفية بمعالي السيد وزير التخطيط، مبادرتَه وثناءَه على النشاط والعمل الدؤوب للوزيرة المسيحية الوحيدة في كابينة السيد الكاظمي ومناشدتها إياه لتكرار زيارة المناطق المحررة الخاصة بالمكوّنات قليلة العدد (الأقليات) والسؤال عن احتياجات أهلها، وذلك حينما رجوتُه وأنا أغادر مكتبه بالاهتمام بمنطقة “الحمدانية” في محافظة “نينوى” وغيرها من المناطق الأخرى التي عانت وماتزال تعاني من مخلفات وتداعيات تنظيم داعش الإرهابي ومن معاناة في تنفيذ وإكمال المشاريع المتلكئة بالرغم من الجهود المثابرة التي تكافح دوائر المحافظة عمومًا وقائممقام الحمدانية خصوصًا من أجل تغيير حالتها السلبية إلى منطقة آمنة وجميلة تزهو بأهلها وقاطنيها. وكلّنا أملٌ، حين تكتمل خدماتُ المنطقة البلدية الأساسية من مجاري وماء وكهرباء ونظافة فإنها ستشكلُ مهمازًا وأملاً بعودة الحياة الطبيعية إليها بأسرع ما أمكن وكي تعمل سحرَها بعودة أكبر قدرٍ من أهلها الطيبين الذي ألقت بهم عوادي الزمن الأغبر في عهد الإرهاب إلى دول المهاجر المجهولة. ومن دون شكّ، تلكم هي حالة مناطق عديدة ضربها إرهابُ داعش وما أحاطه من خيانة قرى الجوار وانتهازهم الفرصة للعبث بمساكن أهل المنطقة وإكمال تدمير وسلب وإحراق ما أمكنهم ذلك ليزيد الطين بلّة والهمومَ أضعافًا.
على اية حال، أعود لشخص السيدة الوزيرة إيفان، لا مدحًا بها ولا دعايةً رخيصة لها، فإنّي لا أعرفها شخصيًا ولم أتعرّف عليها. بل ما جذب انتباهي نشاطُها المفعم بالحيوية وتحرّكاتُها المحلية والدولية وزياراتُها الميدانية المتكررة للمناطق التي دمّرها الإرهاب وأعملَ فيها الخرابَ والدمارَ أينما حلّت أدواتُه، وسعيُها المتواصل لزيارة مخيمات اللاجئين وتقديم سلال الإغاثة والمساعدات الإنسانية المتاحة لهم واللقاء بأصحاب القضية ومنهم بطبيعة الحال، أبناء المكوّن الإيزيدي أيضًا، الذين نالهم القدرُ الأوفر من الظلم والقهر والتدمير، ليس في المجال المادّي فحسب، بل النفسي والجسدي والمجتمعي حين جرى تهجيرهم هم أيضًا وعمل القتل في رجالهم وبيع بناتهم ونسائهم العفيفات في سوق النخاسة وسبيهنّ واغتصابهنَّ من دون رحمة ولا شفقة ولا خشية من لدن السماء وبعيدًا عن أية مشاعر إنسانية. وإنّي غير منكرٍ بتوارد شكوك لي بادئ ذي بدء بالطريقة التي تمّ استيزارُها وما أُثير من ضجة حينها. لكن والحق يُقال إنها لغاية الساعة قد أثبتت جدارتَها وحرصَها على إكمال الشوط والمهمة التي كُلّفت بها. وما حثُّها ودعوتُها للوزراء المعنيين بتكرار زيارة المناطق المحررّة ومنها بلدات وقرى مناطق سهل نينوى وديالى وصلاح الدين والأنبار بصورة أخصّ سوى أدلّة على إثبات هذه الجدارة وتبيان الحرص لتقديم أفضل الخدمات والحلول لمَن مازال يحتاجُها، لاسيّما من القاطنين في المخيّمات والنازحين الذين يمنّون النفس بالعودة إلى مناطق سكناهم الأصلية. هذا إضافة إلى تواصلها المثمر وتنسيقها المتكرّر مع وزارة التخطيط لوضع الخطط اللازمة لإعادة ما تبقى من النازحين إلى ديارهم وبلداتهم وقراهم بعد اندحار داعش وتوفير الأجواء المستقرة أمنيًا ومعيشيًا لضمان حسن وسهولة عودتهم. كما أنّ مسألة رفضها العودة القسرية للنازحين والمهاجرين الذين تم رفض طلبات لجوئهم في بلدان المهجر ينطق بمدى الاهتمام المتواصل من لدنها بضرورة إجراء تقييم موضوعيّ لطلبات اللجوء وإدراك مدى الحاجة والتشبّث بهذه الطلبات لأسباب وظروفٍ بعضُها إنسانية وغيرُها آنّية تتعلّق بسلوك الحياة اليومية وما فرضته سنوات النزوح والهجرة من منغصات وموجبات تستحق التقييم وإعادة النظر في القوانين والقرارات. كما لم يخلُ برنامجُها من تضمينه زيارة زعامات المكوّنات الدينية الأخرى من صابئية ومسيحية وإيزيدية أينما تواجدت هذه، شمالاً وجنوبًا واللقاء مع المعنيين للوقوف على آرائهم ومقترحاتهم من أجل تسهيل حياة مواطنيهم والمساهمة في تقديم الحلول لحالات تتطلب ذلك. وهذا يوضح تواصلها الطيب مع أبناء الشعب من جميع المكّونات والديانات والمذاهب.
أتمنى للوزيرة الشابة إكمال مشوارها الوزاري بالتألّق والإبداع لخدمة مَن يحتاجونها لتقديم أفضل الخدمات لعموم النازحين، وهم كثيرون، ومن ضمنهم المرأة العراقية التي لم تغفل في متابعة منغصاتها ومشاكلها وما تتعرّض له من عنف أسري واستهانة بقدراتها الطبيعية وجدارتها الوطنية والمجتمعية. كما أشدّ على يدها في تبيان جرأتها وألاّ تيأس من محاولات البعض المغرضة التي تستهدف زرع بذور الإحباط وتشكيل ضغوط غير مبرّرة لتثبيط العزيمة والحد من حركة النشاط التي التزمت بها وحرصت على مواصلة جهودها من أجل إعادة البسمة للشفاه التي فقدتها والقلوب التي دخلها اليأس والنفوس التي احتارت بين خيار الوطن والمهجر. فكلّما كانت الحلول أقرب إلى نفس المحتاج وأفضل إلى تطلعات المحتار في أمره، كلّما كانت التداعيات أقلّ ضررًا وأقرب لاتخاذ البقاء في الأرض والتجذّر فيها مواطنًا يفخر به الوطن ويفرح له الشعبُ الأصيل وليس الدخيل والغريب!
بقلم : لويس إقليمس
بغداد، في 20 تشرين أول 2020