أنتُم نورُ العالَمِ. لا تَخفَى مدينةٌ على جبلٍ” متى 5: 14-16 “

الصورة الثانية الّتي استخدمها يسوع هي: “أنتُم نورُ العالَمِ”. في الإنجيل الرابع، يقول يسوع عن نفسِهِ: “أنا نور العالم” (يوحنا 8: 12)، وَحيٌ يُضيء كلمة الإنجيل هذهِ بحسبِ متى. ترتبط الجماعة المسيحيَّة بربِّها وسيّدها: فهيَّ لا تُضيء بنورها الخاص، بَل تستقبله وتعكِسَه. النور ضروري للحياة على الأرض: بدون الشمس، ستكون الأرض صحراء ميّتة. النور هوَ الحياة، ولهذا السبب يَتِمُّ الاحتفال بالله في الكتاب المقدَّس مِنْ خلالِ تعبير مُستَعار: إنَّه مَصدر النور: “بنورِكَ نُعاينُ النور” (مزمور 36: 10)، وأيضاً ملفوف في نور: “تغطَّيتَ بالنورِ كثوبٍ” (مزمور 104: 2)، وبالتالي فإنَّ تعليمَهُ وكلماتَهُ هيَّ نور. انعكاساً لذلك، فإنَّ الأنبياء الّذين أرسلَهم ليتّحدّثوا مع شعبِهِ هُم أيضًا مثل النور: فهُم إعتبروا أورشليم المكان الّذي تَخرج مِنْه كلمة الرَب (راجع إشعيا 60: 1-3)، ووصف عبد يهوه بأنَّه “نوراً للشعوب” (إشعيا 42: 6؛ 49: 6). لهذا السبب، يُطلق على جماعة يسوع أيضًا اسم “نور العالم”: فهي ليست الشمس، لكِنَّها حقيقة تنيرها “شمس البِرِّ” (ملاخي 3: 20)، إنَّه الّذي يُضيء مِنَ العُلى للجالسين في الظلام (راجع لوقا 1: 78). لذلك فإنَّ المسيحيين هُم “أبناء نور” (لوقا 16: 8؛ يوحنا 12: 36؛ أفسس 5: 8؛ 1 تسالونيكي 5: 5) ويجب أنْ يلمَعوا مثل النجوم مُعلنين كلمة الحياة (راجع فيلبي 2: 15 – 16) .

إنَّ دعوة أورشليم الآن هيَّ دعوة الجماعة المسيحيَّة الّتي يمكن أنْ تَجذب إليها، كحقيقة ينيرها الرب، أنظار ومَسارات البشريَّة جمعاء (راجع إشعيا 2: 1-5 + 60). إنَّ صورة المدينة على الجبل، الّتي تُدرَك مِنْ بعيد كهدفٍ للوصولِ إليه، توَّضِّح جيّداً مُهمة الجماعة المسيحيَّة: إنارة وتوجيه مَسارات البشريَّة. هذا الانجذاب واجب ومسؤوليَّة. لكن لِنِكُن حذرين: فالأمر لا يتَعلَّق بافتراض التَباهي بالانتصار أو الإشراق لدرجةِ العَمى تجاه الآخرين. إنَّها بِبَساطة مسألة أنْ نعيش في المكان الّذي أعطانا الله أنْ نكون فيه، دون أنْ نقلَق كثيراً: أي عدم مَنع النور الآتي مِنَ الرَب مِنْ الإنعكاس والنزول على الآخرين.

لا تُفاخر، مثل بعض المُراؤون الّذين يوبِّخهم يسوع (راجع متى 6: 1-2، 5. 16)، ولا قلق مِنْ الإهتداء أو إظهار ما نحن قادرون عليه، بَل القُدرة البسيطة والمُتواضِعة للسماحِ للنور المُعطى لنا. نحن نُدرك جيّداً الإغراءات الّتي تهاجمنا نحن المؤمنين: نقول إنَّنا نريد أنْ “نَشهد” فنُقدّم حياتنا وأعمالنا وقِصَصنا للآخرين لنيل الموافقة والتصفيق. حيث يقوم البعض بتقديم الذات كشهادة لإنجازاتِهِ؟ لا! فالتلميذ الحقيقي هو مَنْ يتَجاهل نفسه، لا يحتفل بِنفسِهِ أو بالواقع الّذي ينتَمي إليه، بَل التلميذ الحقيقي هوَ الّذي يَحتفل ويفرح بالرَب وبِنعمَتِهِ الّتي لم يستَحقها.

بقلم : الاب سامي الريس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …