معنى الصوم لما كان الإنسان نفساً وجسداً كان من العبث أن نتصور ديانة روحية
محضة إن النفس لكي تلتزم بشيء ما تحتاج إلى أفعال الجسد وأوضاعه الخارجية
فالصوم المصحوب دائماً بصلاة التضرع إنما يعبّر عن تواضع الإنسان أمام الله
ولا غرو فالصوم يعادل إذلال النفس ( وهذا يكون لكم فريضة أبدية في اليوم
العاشر من الشهر السابع تذللون نفوسكم بالصوم ولا تعملون عملا الأصيل فيكم
والغريب والدخيل لأنه في هذا اليوم يكفر عنكم لتطهيركم فتطهرون من جميع
خطاياكم أمام الرب هو سبت عطلة لكم تذللون فيه نفوسكم بالصوم ويكون فريضة
أبدية ( ( لاويين 16 : 29 – 31 ) نجد في هذا المقطع تفاصيل عن وقت الاحتفال عن
فرضيّة الصوم موقف توبة وراحة السبت عن تتميم الطقس بيد عظيم الكهنة لا بيد
الكهنة وهذا الصوم هو الوحيد الذي سَنَّه موسى وكانوا يصومون من مساء اليوم
التاسع حتى مساء اليوم العاشر وكانوا يمتنعون عن الأكل والشرب وغسل الرأس
ودهنها والعلاقات الزوجية ولبس الأحذية وكل ما يدل على الفرح وكانوا يمتنعون
عن أي عمل وعبارة تذللون أنفسكم تعني تقديم توبة وتعويض الآخرين عن ما أخطأوا
به في حقهم وقوله فريضة دهرية أي يلتزمون بها حتى يأتي رئيس الكهنة الأعظم
ربنا يسوع فيتممه في جسده إذن فليس الصوم بمأثرة نسكية ولا من أهدافه الحصول
على حالة من الاختطاف النفسي أو الديني وإن كان لمثل هذه الاستخدامات شواهد في
تاريخ الأديان أما في الكتاب المقدس رغم أن الإنسان يعتبر الطعام هبة من لدن
الله ( فصعد كل شعب إسرائيل إلى بيت إيل وبكوا وأقاموا هناك أمام الرب وصاموا
ذلك اليوم إلى المساء وقدموا محرقات وذبائح سلامة أمام الرب ) ( قضاة 20 : 26
) صاموا الصوم والبكاء علامتان على الحداد والاتّضاع أمام الربّ ( وولدت زوجة
أوريا لداود أبناً فضربه الرب بمرض شديد فتضرع داود إلى الله من أجل الولد
وصام ونام لياليه على الأرض فالتف حوله شيوخ بيته ليقيموه عن الأرض فرفض ولم
يأكل معهم ) ( 2 صموئيل 16 – 17 ) مرض طفل الخطية فتذلل داود من أجل محبته
للطفل ولأنه شعر أن موت الطفل يحمل معنى غضب الله عليه فكان يصلى ويصوم وكان
يرجو شفاؤه كعلامة رضا من الله ولكنه أعلن تسليمه الكامل لحكم الله حين مات
الولد بل مسح نفسه بالدهن علامة الفرح فهو شعر أن الولد عند الله وهذه هي
إرادته وكان يجب أن يموت الولد كعلامة لكل إنسان خاطئ ( وأمر أن ينادى ويقال
في نينوى يأمر الملك وعظماؤه أن لا يذوق بشر ولا بهيمة شيئا وأن لا يرعى بقر
ولا غنم شيئا ولا يشرب ماء ) فيها توبة سلبية = تركهم للمظالم. وتوبة إيجابية
صاموا وصلوا ونينوى كانت مدينة مشهورة بالظلم توبة نينوى صاحبها رجاء في الرب
فلنقدم توبة مصحوبة برجاء ( فأذلك وجوعك ثم أطعمك المن الذي لم تعرفه أنت ولا
عرفه آباؤك حتى يعلمك أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده بل بكل ما يخرج من فم
الرب يحيا الإنسان ) ( تثنية 8 : 3 ) كيف تجد «الحياة الحقيقية؟يظن الكثيرون
أنها تتوقف على ما يلبسون وما يأكلون وما يشربون وأين يذهبون وماذا يفعلون في
أوقات فراغهم فإذا استطاعوا أن يكسبوا ما يكفي لأن يلبسوا ويأكلوا ويلعبوا على
مستوى عالٍ فإنهم يظنون أنهم يحيون حياة طيبة ولكن هذه الأشياء لا تشبع سوى
شهيتنا لا أشواقنا العميقة فهي في النهاية تتركنا فارغين غير راضين لكن الحياة
الحقيقية بناء على ما قاله موسى لا تتحقق إلا بتسليمنا الكلي لله الذي خلق
الحياة ذاتها ويلزمها التدريب والتضحية والعمل الشاق ولهذا لا يجدها معظم
الناس وقد لا تبدو في البداية مفرحة مثل طريقة حياة العالم ولكنها شيئًا
فشيئًا كلما تعمقت صداقتنا مع الله تؤدي إلى قوة الشخصية وسلام الفكر والرضا
العميق فهو بامتناعه ليوم كامل يقوم بعمل ديني ينبغي أن نفهم دوافعه
بدقة؟الأمر الذي ينطبق أيضاً على الامتناع عن العلاقات الزوجية ( إجمعوا الشعب
وقدسوا الجماعة أحشدوا الشيوخ واجمعوا الصغار والأطفال أخرجوا العريس من مخدعه
والعروس من خدرها ) ( يوئيل 2 : 16 ) إننا بالصوم نتّجه نحو الرب ( فتطلعت إلى
السيد الإله طالبا بالصلاة والتضرعات وبالصوم والمسح والرماد ) ( دانيال 9 : 3
) عرف دانيال كيف يصلي ولما كان يصلي كان يصوم ويعترف بخطاياه ويطلب إعلان
الله لإرادته كان يصلي بخضوع كامل لله وبانفتاح كامل لما يقوله له وأنت عندما
تصلي هل تتحدث إلى الله بكل انفتاح؟اختبر موقفك وتحدث إلى الله بانفتاح
وباتضاع وأمانة واستعد لاستجابة الله ( فناديت بصوم هناك عند نهر أهوا لنخشع
أمام إلهنا طالبين منه أن يهدينا طريقا آمنا لنا ولأطفالنا ولجميع أموالنا ) (
عزرا 8 : 21 ) قبل عمل كل الاستعدادات المادية للقيام بالرحلة قام عزرا
بالاستعدادات الروحية فقد أعدتهم صلواتهم وصومهم روحيًا بإظهارهم اتكالهم على
الله لحمايتهم وإيمانهم بأن الله مسيطر على كل شيء ويقينهم من أنهم ليسوا من
القوة للقيام بالرحلة بدونه وعندما نتمهل لنضع الله أولاً في كل مسعى فإننا
بذلك نُعِد أنفسنا جيدًا للمهام التي تنتظرنا في وضع تبعية واستسلام كامل قبل
القيام بمهمة شاقة ( إذهب واجمع كل اليهود الذين في شوشن وصوموا لأجلي ولا
تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام بلياليها وأنا وجواري نصوم معكم وبعد ذلك أدخل
على الملك خلافا للقانون فإن هلكت فأكون هلكت ) ( استير 4 : 16 ) كانت أستير
بطلبها من اليهود أن يصوموا تريدهم أن يصلوا طلبًا لمعونة الله في مهمتها
الخطيرة ومن أهم وظائف مجتمع من المؤمنين التضافر في الأوقات العصيبة فعندما
تجوز في صعاب ارجع إلى إخوتك المؤمنين ليعضدوك بمشاركتهم لك في تجاربك انج
بنفسك هذا هو الشعار الذي يعكس نظرة العالم الأنانية للحياة ولكن موقف أستير
كان على النقيض من هذا لقد عرفت ما عليها أن تفعله وأنه قد يكلفها حياتها ومع
ذلك أجابت إذا هلكت، هلكت ويجب أن يكون لنا نفس هذا العزم لعمل ما هو حق رغم
كل النتائج المحتملة فالإيمان هو عمل ما يريده الله والاتكال عليه لتحقيق
النتائج أو لطلب الصفح أيضاً عن خطاً ( فلما سمع أخاب كلام إيليا مزق ثيابه
ولبس مسحا ونام فيه وصام ومشى منكس الرأس ) ( 1 ملوك 21 : 27 ) من يسير في
طريق الشر يصبح رجال الله له أعداء بل هو يصير غير محتملا لكلمة الله اخاب
استيقظ ضميره فجأة فشق ثيابه فالله كما يرى الشرور وتحزنه جدًا يفرح بالتوبة
جدًا ونرى الله يفرح بتوبة أخاب ولكن يبدو أن توبته كانت مجرد خوف ولم تكن
توبة حقيقية ودليل ذلك أنه مثلا لم يترك الكرم لورثة نابوت ولم يترك عبادة
البعل أو لالتماس شفاء ( وولدت زوجة أوريا لداود أبناً فضربه الرب بمرض شديد
فتضرع داود إلى الله من أجل الولد وصام ونام لياليه على الأرض فأجاب حين كان
الصبي حيا صمت وبكيت لأني قلت من يعلم؟لعل الرب يرحمني ويحيا الصبي ) ( 2
صموئيل 12 : 16 و 22 ) أو في الانتخاب أثناء مناحة دفن ( وأخذوا العظام
ودفنوها تحت شجرة الأثلة التي في يابيش وصاموا سبعة أيام ) ( 1 صموئيل 31 : 13
) أو بعد ترمل ( ونصبت لها خيمة على سطح بيتها واتزرت بلباس الأرامل وكانت
تصوم تلك المدة كلها ما عدا السبوت ورؤوس الشهور وأعياد بني إسرائيل وأيام
أفراحهم ) ( يهوديت 8 : 5 – 6 ) ثم بقـيت أرملة فبلغت الرابعة والثمانين من
عمرها لا تفارق الهيكل متعبدة بالصوم والصلاة ليل نهار ) ( لوقا 2 : 37 ) أو
بعد نكبة وطنية ( فاجتمعوا في المصفاة وغرفوا ماء وصبوه أمام الرب وصاموا في
ذلك اليوم وقالوا خطئنا إلى الرب وهنا في المصفاة صار صموئيل حاكما على بني
إسرائيل ) ( 1 صموئيل 7 : 6 ) ( فبكوا وصاموا وصلوا أمام الرب ) ( باروك 1 : 5
) ( هذا ما قال الرب القدير صوم الشهر الرابع والخامس والسابع والعاشر سيكون
لبيت يهوذا سرورا وفرحا وأعيادا طيبة فأحبوا الحق والسلام ) ( زكريا 8 : 19 )
أو لنيل وقف كارثة ( يقول الرب توبوا إلي بكل قلوبكم بالصوم والبكاء والندب
مزقوا قلوبكم لا ثيابكم فتوبوا إلى الرب الرب حنون رحوم بطيء عن الغضب كثير
الرحمة نادم على السوء لعله يرجع ويندم ويبقي وراءه بركة فتقربون تقدمة وسكيب
خمر للرب إلهكم أنفخوا في البوق في صهيون وتقدسوا للصوم ونادوا على الصلاة
إجمعوا الشعب وقدسوا الجماعة أحشدوا الشيوخ واجمعوا الصغار والأطفال أخرجوا
العريس من مخدعه والعروس من خدرها بين الرواق والمذبح يبكي الكهنة خدام الرب
ويقولون أشفق يا رب على شعبك وميراثك لا تجعله عارا فتتسلط عليه الأمم ويقال
في الشعوب أين إلهك؟) ( يوئيل 2 : 12 – 17 ) ( وصرخ كل شعب إسرائيل إلى االله
وصاموا وانسحقوا أمامه ولبسوا المسوح هم ونساؤهم وأولادهم ومواشيهم والغرباء
والأجراء المقيمون بـينهم ثم انطرح كل رجل وامرأة وطفل من سكان أورشليم أمام
هيكل الرب وذروا على رؤوسهم الرماد ونشروا مسوحهم أمام الرب وغطوا مذبحه بمسح
وصرخوا كلهم بصوت واحد إلى إله إسرائيل أن لا يجعل أطفالهم ضحية ونساءهم غنيمة
ومدنهم خرابا وهيكلهم نجاسة وعارا وشماتة للأمم فاستجاب الرب إلى صلواتهم
وتحنـن عليهم في محنتهم خصوصا بعد أن صام الشعب في يهوذا وأورشليم عدة أيام
أمام هيكل الرب القدير ) ( يهوديت 4 : 9 – 13 ) وتفتح القلب للنور الإلهي (
فقال لي لا تخف يا دانيال فمن أول يوم وجهت فيه قلبك للفهم ولإذلال نفسك أمام
إلهك سمع الله كلامك وجئت أنا لأجل ذلك ) ( دانيال 10 : 12 ) أو ترقب النعمة
الضرورية لإتمام رسالة ما ( وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال لهم الروح
القدس خصصوا لي برنابا وشاول لعمل دعوتهما إليه فصاموا وصلوا ثم وضعوا أيديهم
عليهما وصرفوهما ) ( رسل 13 : 2 – 3 ) والاستعداد لملاقاة الله ( وأقام موسى
هناك عند الرب أربعين يوما وأربعين ليلة لا يأكل خبزا ولا يشرب ماء فكتب على
اللوحين كلام العهد وهي الوصايا العشر) ( خروج 34 : 28 ) ( فتطلعت إلى السيد
الإله طالبا بالصلاة والتضرعات وبالصوم والمسح والرماد ) ( دانيال 9 : 3 ) من
ذلك يتضح أن الأسباب والدوافع هي متنوعة من زمن الصوم إلا أن الأمر في جميع
هذه الأحوال يتعلق بوضع الذات بإيمان في موقف لحمته وسداه التواضع لتقبل عمل
الله والوقوف بين يديه إن هذه النية العميقة تكشف عن معنى الأربعينات التي
قضاها موسى ( خروج 34 : 28 ) وإيليا ( فقام وأكل وشرب وسار بفعل تلك الأكلة
أربعين يوما وأربعين ليلة إلى جبل الله حوريب ) ( 1 ملوك 19 : 8 ) دون طعام
عندما هرب إيليا إلى جبل حوريب كان ذاهبًا إلى المكان المقدس الذي قابل فيه
الله موسى وأعطى شرائعه للبشر ومن الواضح أن الله أعطى إيليا قوة خاصة ليقطع
كل هذه المسافة أكثر من مئتي ميل بدون طعام إضافي كما حدث مع موسى من قبل ومع
يسوع من بعد لقد صام إيليا أربعين نهارًا وأربعين ليلة وبعد ذلك بعدة قرون ظهر
موسى وإيليا مع يسوع على قمة جبل التجلي أمين
اعداد الشماس سمير كاكوز