مَسكَن الله في الإنسان المؤمن المتواضع (متى 12: 43-45)

أوَدُّ أنْ أُشير إلى كلمةٍ مِنْ شأنِها أنْ تُساعِدنا على الدخول في ما يَمنَحنا إيّاه الرَب اليوم: “الراحة” تقول هنا الآية 43: “إذا خَرجَ الرُّوحُ النَّجِسُ مِنْ إنسانٍ، هامَ في الصَّحارى يَطلُبُ الرَّاحَةَ فلا يَجِدُها”. يُشير المُصطلح إلى “الراحة”. علينا أنْ نقرأ في متى 11: 28-29، حيث الرَب يَدعونا نَحنُ المُثْقَلين أنْ نذهب إليه كي نَجد الراحة. يمكِنُنا أنْ نأخُذ في الاعتبار العلاقة بين هذين النَصَّين! كان هُناك وَعد يَسوع الّذي قَدَّمَ هذهِ الراحة لأولئك الّذين ذهبوا إليه وأخذوا نورَه في حياتِهِم. هذهِ هيَ “الراحة” الّتي لا يمكن للروح النَجس أنْ يجدها بِمُجرَّد أنْ يَخرج مِنْ الإنسان الّذي نالَ الخلاص مِنْ الرَب. وهنا نحن أمام صِراع بينَ يسوع الحال في بيتِ المؤمن المُخلَّص، والروح النَجس الّذي يحاول العودة إلى “بيتي” كما يقول الإنجيلي. يتَفاجأ الروح النَجس الّذي يَعتبر الانسان “بيتَه” بأنَّ الرجل الّذي أخرَجه مِنْه هو رَبُّ الإنجيل! فهل الإنسان “طيّبٌ بالفطرة”؟ لا! “الإنسان الطبيعي”، بِحسَبِ الوحي اليهودي-المسيحي، بطبيعتِهِ ليس شرّيراً، لكِنَّه يُصبح أسير الروح الشرّيرة، حين يَعصي كلمة الله. بالنسبة لليهوديَّة والمسيحيَّة، الإنسان حُر إذ تركَ نفسه تَتحرر. وإلا فهو أسير “الروح النَجِسة” الّتي تَعتبر الإنسان منزِلها.  

في الكتاب المقدّس الإنسان ليس شرّيراً لكِنَّه في رفضِهِ صَداقة الله يُصبح أسير شَر يَسجِنه. إنَّه ليس شريراً، لكِنَّه أسير هذا الشَر. إنَّ كُل تاريخ الخلاص المحفوظ في الكتاب المقدّس هو تاريخ هذا “التَحرُّر” العظيم مِنَ الشَر والموت. فالمسيحي ليس “حُرَّاً”، بَل هو “مُحرَّر مِنَ الشرّير”، مِثلَما كان يُطلق على العَبد المُحرّر واستِعادَتِهِ الحرّيَّة في العالم القديم. عندما يُساعد الأب والأم طفلهما على الصفح أو التَخلي عن غريزة العُنف، فإنَّهُما يتَعاونان في العمل الإلهي للتَحرُّر، وتَحرير طفلهما مِنْ غريزة “طبيعيَّة” للتَمَلُّك والعُنف. “التحرير” هو عُنصر أساسي ومُصطلح الوحي والإيمان للمسيحي.  

نتيجة هذا، إلى جانب العديد مِنَ العناصر الإيجابيَّة والمضيئة، هيَ حتماً حالة مِنْ “هشاشة” في التجربة المسيحيَّة حالة “إغراء”. التواضع والوداعة هُما مِنْ الدلائل العظيمة الّتي أعطاها الرّب يسوع في حياتِهِ وفعَلَها العديد مِنَ القديسين للآخرين مِنْ أجل رعاية عطيَّة الله (وهنا علينا أنْ نتذكّر بِشكلٍ خاص الأُم تيريزاً البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني …إلخ). ونحن في حالِ عدم الإنتباه إلى كلمات الرَب والعيش بِموجِبها سيكون حالنا، كما يقول يسوع: “فتكونُ حالُ ذلِكَ الإنسانِ في آخِرها أسوأَ مِنْ حالِهِ في أوَّلِها” (الآية 45).  

يَحثُّنا مَثل الروح النَجِس الّذي طرده الإنسان، والّذي يعود بعد ذلك إلى “البيت”، على التواضع الكبير، أيضًا في ضوءِ ما قُلته في البداية. يبدو أنَّ هذا “الروح النَجِس” يَجد الراحة في الإنسان فقط. ويبدو أنَّ هذا الرجل لا يستطيع أنْ يفعل شيئاً ضِدَّ هذا الروح وسبعة أشَرُّ مِنْه. إنّهم يَعثَرون على مثل هذا المنزل عند المُتعالي “نظيفاً ومُزيَّناً بالكبرياء”، مع نظامٍ واضح وثِقة في القانون والعدالة الخاصة بالفرد، كما رأينا أنَّه الجَمال الخارجي والمجد الّذي يَطمَع بِه الفريسيّون الّذينَ يُسمّيهم يسوع بـــ “الجيل الفاسد”. الدعوة المتواضعة ليست أنْ تعتَقد أنَّكَ أقوى مِنْ ذلك الروح الشرّير. إنَّها دعوة لأنْ يكون لديك دائماً مَخافة الله، الّذي دعانا بالنِعمة لنكون جُزءاً مِنْ عائلته (راجع متى 12: 46-50).  

مِنْ هنا، الآن علينا أنْ نقرأ الآيات الّتي سبَقَت هذا النَص حين يقول الرَب لمُعلِّمي الشريعة والفريسيين: “جِيلٌ شرِّيرٌ فاسِقٌ … ولنْ يُعطى أي آية” (متى 12: 39) غير علامة فصح آلام يسوع وقيامته، فالنَص هو دعوة إلى الاهتداء والثِقة في عمل فداء فصح يسوع. فاعتبار أنَّ المنزل الّذي وجِدَ “فارغًا”، هو السَبَب الأول للهجوم الجديد للشرير وإعادة احتلالِه، لأنَّ تنظيف حياتنا فقط دون أن تمتليء بالله، يترك المجال للشيطان ليدخل فيها، المثل يُخبرنا مَدى أهميَّة أنْ يَسكن هذا المنزل تعليم يسوع، بِكلِمة الحياة، بِروحِهِ القُدّوس. وحتّى قبل إخبارنا بِما يجب أنْ يكون التزامنا بالترحيب بالضيف الإلهي حتّى لا يكون شَخصَنا فارِغاً. يَخبِرُنا متّى ما هيَ رغبة الله والإمكانيَّة الّتي يمنَحها للبَشر: أنْ يَسكُن فيهم، في كُلَّ شخصٍ يريد الله أن يَجد مساحة، ويَشغِلُها كُلها. جَنباً إلى جَنب مع الكلمات الجيّدة الّتي يقولها القديس بولس: “بُنيتُم على أساسِ الرُّسُلِ والأنبياءِ، وحجَرُ الزّاويَةِ هوَ المسيح نَفسُهُ، لأنَّ بِه يتَماسَكُ البِناءُ كُلُّهُ ويَنمو ليكونَ هَيكلاً مُقَدَّساً في الرّبِّ، وبِه أنتُم أيضاً مَبْنُيُّونَ معاً لِتَصيروا مَسكِناً للهِ في الرُّوحِ” (أفسس 2: 20-22).  

بقلم : الأب سامي الريّس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

مواهب الروح القدس

هو روح الله الأقنوم الثالث في الثالوث الاقدس وقد ذكر هذا التعبير ثلاث مرات فقط …