في هذهِ الصفحة نُريد أنْ نقرأ ما قدَّمه لنا الرسول بولس في رسالتِهِ إلى مسيحيي أفسس:”ليَخضَعْ بَعْضُكُمْ لِبَعضٍ بمخافةِ المسيح. أَيَّتُها النِّسَاءُ، اخْضَعْنَ لِأزواجِكُنَّ كَمَا تَخضَعْنَّ لِلرَّبِّ، لأَنَّ الرَّجُلَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الكنيسَة وهِيَ جَسَدُهُ. وكَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، فلْتَخضَع النِّسَاءُ لِأزواجهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ الْكَنِيسَةَ وضَحَّى بِنَفْسِهِ لأَجْلِهَا، لِيُقَدِّسَهَا ويُطَهِّرَها بِغَسْلِ الْمَاءِ وبِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ ولا ما أشبَهَ ذلِكَ، بَلْ مُقَدَّسَةً لا عَيْبَ فيها. كَذلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فما مِنْ أَحَدٍ يُبغِضُ جَسَدَهُ، بَلْ يُغذِّيهِ ويَعتَني بهِ اعتِناءَ المسيح بالْكَنِيسَةِ. ونَحنُ أعضاءُ جَسَدِ المسيح. »مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ ويتَّحِدُ بِامْرَأَتِهِ، فيَصير الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا.« هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وأعني بِه سِرَّ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ. فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنكُمُ امْرَأَتَهُ هكَذَا كَنَفْسِهِ، ولِتَحتَرِمُ الْمَرْأَةُ زَوجَها” (أفسس 5: 21 – 33).
بطريقتِهِ الخاصة، يتناول الرسول بولس هذهِ الصفحة الأُولى مِنَ الكتاب المقدّس ويُعلِّق فيها على خلقِ الرجل والمرأة وتَسليمِهِم الهِبة الّتي أعطاها الله لهما في علاقةِ الحُبَّ والحياة. يبدو أنَّ المنظور اّلذي يُعالجِه القدّيس بولس فيه شَقَّين: تلك الوحدة السرّيَّة العميقة والأسراريَّة الّتي تُميّز علاقة المحبَّة بين الرجل والمرأة، وفي نفسِ الوقت الجمال (يُفهم بمعناه الكامل والأكثر اكتمالاً) المُصاحب لهذهِ العلاقة نفسها. ليس هناك شَك في أنَّ في عقلِ بولس، هذا الجمال هوَ مَظهَر عفوي للوحدة، وأنَّ وحدة الحُب البَشري تزدَهر في مظاهرِ الجمال الأصيل.
ما يؤكده بولس عن الزواج والأُسرة ليس فقط مِنْ وجهة النَظر الأدبيَّة ولكن اللاهوتيَّة أيضًا، إنَّه جزء مِنْ تعليم يَتِمُّ تفعيلِهِ في كُلِّ الرسالة. يمكن تلخيص هذا التعليم على النحو التالي: في وحدة المشروع الّذي يُعلِنَه الله لخلاصِ البشريَّة جَمعاء (الفصل الأول)، في وحدةِ الشَّعبين (اليهود والوثنيين) حيثُ بينَهُم أسَّسَ المسيح السلام بموتِهِ وقيامتِهِ (الفصل الثاني)، في وحدةِ السِرِّ بالمسيح (الفصل الثالث) الّذي يدوم في سِّرِ الكنيسة، جسد المسيح (الفصل الرابع). عندما يحث بولس المؤمنين على “فاقتدوا بالله كأبناءٍ أحبَّاء، وسيروا في المحبَّة سيرَة المسيح الّذي أحَبَّنا وضَحَّى بِنَفسِهِ مِنْ أجلِنا قُرباناً وذَبيحَةً لله طَيَّبةَ الرائِحة” (أفسس 5: 1) يَقصد بالتأكيد أنْ يُقدِّم لكُلِّ فردٍ وحدة المعيار الأساسي للعيش في الحياة المسيحيَّة.
بقلم: الاب سامي الريس