الدنح.. الظهور والاعتلانَ والإشراق ….. “مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ” …. سر المعمودية — كما ورد في الكتاب المقدس….

*فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلْآبِ وَٱلِٱبْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلْأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ، آمِينَ”(مَتَّ 28: 19-20) تتألف السنة الطقسية الكلدانية من سبعة أزمنة (سابوع – ܫܒܘܥܐ)*(1): زمن البشارة – والميلاد: …. يدعونا إلى الانتباه الى سرّ التجسد – والتدبير الخلاصي ومن خلال التأمل في الكتاب المقدس والى علامات حضور المخلص، هذه البشارة هي لنا. زمن الدنح: …. سرّ الله المتجلى لنا بشخص يسوع المسيح، “وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا: أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ”(لو 3: 22)، وبحسب متى البشير “وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ”(مت 3: 17)، وهذه تعد العلامة الاولى لهويّتنا كمسيحيين واعين، لمهمتنا كتلاميذ للمسيح، ورُسل مدعوين الى ان نعمّد العالم كله ليشُعَّ بنور المسيح ويبلُغ كماله.

(الرابط ادناه يوضح لنا مفهوم السنة الطقسية في الكنيسة الكلدانية) https://saint-adday.com/?p=41329

وتأسيسا على ما تقدم فزمن الدنح Season of Epiphany هو:

1- الدنح كلمة “دنح دنحو او دنخا” معناها في اللّغة السريانيّة وهي تعني الظهور والاعتلانَ والإشراق، (زرقتا Zraqta)، الظهور يشمل العديد من الأحداث التي ترتبط بظهور المسيح، أي تجليّه للبشريّة. وفي حدث الدنح تم تأكيد ما طلبه يسوع من اجل اتمام الناموس كإنسان وإظهار تواضعه لنا لكي نقتدي به. وفي هذا الحدث ايضا تم اعلان عن الثالوث المقدس وهكذا (تم عماد الرب يسوع المسيح على يد يوحنا المعمدان).

2- المعمودية باللغة اليونانية هي Baptiszoومعناها يغطس أو يغمس وبالإنكليزية عبارةTo dip in وأيضاً أخذت منها كلمة Baptism وتعني التغطيس أو التعميد، كما هو مكتوب في الانبياء: “هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ”(ملا 3 :1)، ” صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا….. فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ”(أش40 : 5،3)، كان يوحنا يعمد ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا وخرج اليه جميع كورة اليهودية واهل اورشليم واعتمدوا جميعهم منه في نهر الاردن معترفين بخطاياهم “وَكَانَ يَكْرِزُ قَائِلاً: يَأْتِي بَعْدِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَنْحَنِيَ وَأَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ أَنَا عَمَّدْتُكُمْ بِالْمَاءِ، وَأَمَّا هُوَ فَسَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ”(مرقس 1 :7).

3- نعمة المعمودية هي حقيقة غنية بقدرتها على منح الولادة الجديدة لحياتنا وان نكون ابناء لله بالتبني، وأعضاء في جسد المسيح، “فإِنَّكم جَميعًا، وقَدِ اعتَمَدتُم في المسيح، قد لَبِستُمُ المسيح”(غل 3/27). وبهده النعمة نفسها نصبح شركاء في كهنوته ونختم بختم روحي لا يبلى، ووسم نكرسه، وهيكلا للروح القدس، وبها يتعزز سبيل الإيمان بدافع النعمة ونتلتمس من الله الخلاص.

4- المعمودية أمر من الرب يسوع المسيح نفسه لكل من يؤمن به وأساساً لدخول ومعاينة ملكوت السماوات ورمز ووعد ذو معنى عميق، تغذيه التلمذة من جسده ودمه كما أشرنا أنفا بحسب البشير متى، في أذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا كل ما أوصيتكم به.

5- فمنذ ذلك اليوم* والكنيسة (مدخلها بيت المعمودية طقسيا وهو الأساسي في استدعاء الأب والابن والروح القدس)*(2)، وتحتفل بالمعمودية المقدسة ومنحها كما في “فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ”(أع 2: 38)، وقد قدم الرسل ومعاونوهم المعمودية إلى كلّ من آمن بيسوع: اليهود والوثنيين، وارتبطت معموديتهم بالإيمان شرطاً: آمن بالرب يسوع ينال الخلاص هو وأهل بيته هذا ما قاله القديس بولس للسجّان في مدينة فيلبي. المعمّدون “قد لبسوا المسيح”. وبالروح القدس تصير المعمودية غسيلاً ينقّي ويقدّس. (يمكنكم العودة الى اعمال الرسل16 :40،16)

المعمودية اولا وانواعها “مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ”: هذا هو المدخل الوحيد والأول للخلاص، الإيمان باسم المسيح ثم المعمودية المقدسة، وهذا ما فعلته الكنيسة عبر الزمن في كرازتها، فهي تسلّم الإيمان ثم تجمع المؤمنين الذين تلقوا الإيمان وتعمّدهم باسم الثالوث الأقدس على أيدي الرسل والأساقفة والكهنة، ولأهمية هذا السر ولاعتبارات ايمانية، فإن الكنيسة لا تقبل أي انضمام إليها والشركة في باقي الأسرار إلا بالمعمودية. وترفض الكنيسة التعليم الغريب بأن المعمودية مجرد علامة.

أذا نحن مدعوين الى فهم ما تدعوا اليه المعمودية كما وردت في الكتاب المقدس وتكلم بها الرب يسوع المسيح مع نيقديموس، “أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ، لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ”(يو 3: 5..الى..16)، ووضع بولس الرسول يديه على المعتمدين بمعمودية يوحنا وذلك ليحل الروح القدس عليهم، “فَحَدَثَ فِيمَا كَانَ أَبُلُّوسُ فِي كُورِنْثُوسَ، أَنَّ بُولُسَ بَعْدَ مَا اجْتَازَ فِي النَّوَاحِي الْعَالِيَةِ جَاءَ إِلَى أَفَسُسَ. فَإِذْ وَجَدَ تَلاَمِيذَ، قَالَ لَهُمْ: هَلْ قَبِلْتُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمَّا آمَنْتُمْ قَالُوا لَهُ: وَلاَ سَمِعْنَا أَنَّهُ يُوجَدُ الرُّوحُ الْقُدُسُ، فَقَالَ لَهُمْ: فَبِمَاذَا اعْتَمَدْتُمْ فَقَالُوا: بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا، فَقَالَ بُولُسُ: إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ، قَائِلًا لِلشَّعْبِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ، أَيْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، فَلَمَّا سَمِعُوا اعْتَمَدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ، فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ وَيَتَنَبَّأُونَ، وَكَانَ جَمِيعُ الرِّجَالِ نَحْوَ اثْنَيْ عَشَرَ”(أع 19: 7،1) وعند قبولهم الكلمة اعتمدوا الثلاثة آلاف من يد بطرس الرسول، “فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ وَلِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إِلهُنَا، “فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ، وَاعْتَمَدُوا، وَانْضَمَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ”(أع 2: 41،38،37)، وعمد بطرس كرنيليوس وعائلته وأشخاص آخرين وَكَانَ فِي قَيْصَرِيَّةَ رَجُلٌ اسْمُهُ كَرْنِيلِيُوسُ، قَائِدُ مِئَةٍ مِنَ الْكَتِيبَةِ الَّتِي تُدْعَى الإِيطَالِيَّةَ. «أَتُرَى يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَمْنَعَ الْمَاءَ حَتَّى لاَ يَعْتَمِدَ هؤُلاَءِ الَّذِينَ قَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا نَحْنُ أَيْضًا، وَأَمَرَ أَنْ يَعْتَمِدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ. حِينَئِذٍ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ أَيَّامًا(أع10: 1..48)، وبولس عمد التلاميذ في أفسس فَقَالَ بُولُسُ: “إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ، قَائِلًا لِلشَّعْبِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ، أَيْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، فَلَمَّا سَمِعُوا اعْتَمَدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ” (أع 19: 4، 5).

المعمودية بالماء:…. تعبير عن الايمان والانتماء للمسيح. والاتحاد به في مسيرة حياتنا بأكملها وحضوره فينا ومن خلالنا في العالم الى الأبد. إن المسيحي الحقيقي ينمو بمسحيته كل يوم. تحدث آباء الكنيسة الأوائل عن نوعين آخرين من المعمودية، هما معمودية الدم ومعمودية الشوق، اللتان تحملان ثمار المعمودية من غير ان تُعَدا سراً.

معمودية الدم:….. هي كل من يؤمن بالمسيح ويموت شهيد إيمانه، يُعَدُّ استشهاده “معمودية ” وهي أعظم من معمودية الماء، فهو يحقق بموته – بدمه سر الخلاص الذي تُعبّر عنه معمودية الماء. إنما يعتمدون بموتهم لأجل المسيح ومع المسيح، وهذه تحمل ثمار المعمودية من غير أن تكون سراً.

معمودية الشوق:…. هي الايمان الحقيقي والوجداني بالمسيح، لمن لم تتح له الفرصة لتحقيق المعمودية بالماء. فمعمودية الشوق تجعله يَخلُص بسبب إيمانه وحبه، تحمل ثمار المعمودية من غير أن تكون سراً.

المعمودية هذا الحدث التاريخي كما وردت العهد الجديد:

جميع رموز العهد القديم تنتهي في المسيح يسوع. فقد بدأ حياته العلنية من بعد ان تعمد على يد يوحنا المعمدان في الأردن. لقد خضع ربنا بملء رضاه لمعمودية القديس يوحنا المعدة للخطأة، وذلك لكى يتم كل بر فجاء صنيع يسوع هذا دليلاً على ” تلاشيه ” وإذا بالروح الذي كان يرف على وجه المياه، في بدء الخليقة الاولى، يهبط على المسيح، إيذانا بالخليقة الجديدة، وإذا بالأب يعلن يسوع ابنه الحبيب.

1- تم وصف الحدث التاريخي لمعمودية يسوع المسيح من قبل يوحنا المعمدان في نهر الأردن بالتفصيل في ثلاثة أناجيل: مرقس، ولوقا ومتى. بالإضافة إلى ذلك، ذكرت لدى يوحنا، ولكن بشكل غير مباشر بشهادة يوحنا المعمدان نفسه حول الحدث.

2- لم يرغب يوحنا المعمدان في البداية في تعميد المخلص حينما طلب المعمودية منه. ومع ذلك، أصر المسيح على معموديته، لأنه كان من الضروري أن يتم “كل بر، “فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ، حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ” (مت 3: 15).

3- معمودية يسوع تذكرنا كل يوم برسالته الخلاصية، وقانون الإيمان الذي يشير الى ذلك “بالاعتراف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا.

4- أن هذه المعمودية التي يعتمد فيها الإنسان سواء كان كبيراً أو صغيراً لا يمكن إعادتها أبداً، هي دعوة إلى المسيحيين ليعيشوا معموديتهم ويعلنوها إنساناً جديداً فيهم، ويحوِّلوا الحياة العائلية والاجتماعية إلى الجديد في الحق والخير والجمال، بقوله: “لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ: لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ” (غل 3: 28،27 )

عماد الأطفال في غاية الاهمية :عندما قال الرب يسوع وعمدوهم باسم اﻻب واﻻبن والروح القدس لم يحدد عمرا معينا بل يطلب ضرورة اﻻيمان والتلمذة وحفظ الوصايا، والبعض حينها كان يدعوا الى أن معمودية الأطفال ليست ضرورية ولا قيمة لها إن لم يبلغوا سن الرشد ويعترفوا بإيمانهم بالسيد المسيح مستندين إلى، “وَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا، مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ”(مر 16: 16،15)، هذه الآية كانت في بداية المسيحية عندما كان الناس صغاراً وكباراً غير مؤمنين بالمسيح وأنه لابدّ من الإيمان به كي تتم معموديتهم ولكن عندما أخذت المسيحية تنتشر أخذوا يبشرون الجميع ويعمدون كل من آمن مع أهل بيته صغاراً وكباراً، فقول السيد المسيح واضح بأن من سمع ولم يؤمن ولم يعتمد صار مُدانا أمام الله. وفي وقتنا الحالي يعمّد الطفل على إيمان والديه، ومن هنا يكون الآباء مسئولين أمام الله عن زرع الإيمان في قلوب أبنائهم. وأما الأطفال الذين يموتون بلا معمودية، فالكنيسة لا تقدر إلا أن تسلم أمرهم إلى الرحمة الإلهية كما هو في الجنازة لأجلهم ولا شك ما اوسع رحمة الله للذين يريدون الخلاص، “الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ” (1 تي 2: 4)، وان محبة يسوع للأطفال “أَمَّا يَسُوعُ فَدَعَاهُمْ وَقَالَ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ”(لو 18: 16)، يتيحان لنا الأمل بان يجد الأطفال الذين يموتون بلا معمودية طريقا إلى الخلاص ولهذا تنادي الكنيسة بإلحاح ألا يمنع الأطفال من أن يأتوا إلى المسيح بواسطة موهبة المعمودية المقدسة.

ويشير بطرس الرسول في اليوم الخمسين عندما حلّ الروح القدس عليهم في العلية، “فَلَمَّا سَمِعُوا نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ، وَقَالُوا لِبُطْرُسَ وَلِسَائِرَ الرُّسُلِ: مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟ فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ، تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ وَلِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إِلهُنَا”(أع 2: 39،38،37)

وفي الختام ليعلم جميعنا ان ماء المعمودية بحسب الطقس الكنسي يحمل الغنى اللاهوتي والروحانيّة المميّزة لسرّ التنشئة المسيحيّة، وهو سرّ محبّة الله الآب للإنسان، التي تجلّت بابنه يسوع المسيح الذي أعتمد وتوجّه نحو الصليب ليحقّق الخلاص ونحن، بقوّة الروح القدس الذي اعتمدنا فيه اشتركنا بهذا الخلاص ونَعِمْنا بمحبة الآب اللامتناهية، ففي العماد يتحقق عربون ميثاقنا مع الله: الموت والدفن والقيامة والحياة، يحدث هذا كله دفعة واحدة.

القارئ العزيز انت معي في نعمة المعمودية التي هي إقرار لعهد ووعد الله بالمحبة والقبول والغفران الذي تقدمه لنا، وعلامة العهد الجديد بين الله وشعبه، ففي المعمودية يعلن الله نفسه لمرة واحدة في حياة كل مؤمن ينالها ان وعده الى الأبد، ويعرّف الله نفسه الينا بأننا أبنائه، والمعمودية تصادق على اتحادنا مع المسيح في موته وقيامته وبأننا قُمنا معه لحياة جديدة مع الله بالإيمان، وفي مياه المعمودية وعد بأن كل خطايانا قد مُسِحَت تماماً وأنها لن تعود أبداً أمام الله، لقد دفع المسيح ثمن خطايانا كاملاً، وبالرغم من أننا لا نزال نسقط في الخطية إلا أن علينا أن نتذكر معموديتنا دائماً، وبأننا قدّمنا حياتنا طَوْعاً (بكامل حريتنا) الى الله، وأن حياتنا الآن لن تكون إلا فيه وأنه هو ربنا وسيدنا ومخلّصنا —– لقد اعتمد المسيح من يوحنا لكي يعمل رمزاً كان مزمعاً أن يفعله عملياً بموته على الصليب ودفنه وقيامته… يا رب باركنا ونحن مجتمعين حولك بنعمة الايمان التي منحتها لنا في المعمودية واجعل من لاهوت كنيستك منهاجا لخلاصنا وبارك جميع العاملين فيها ……. الى الرب نطلب.

https://www.youtube.com/watch?v=SJ7YoIfJZlU

د. طلال كيلانو

——————————————————————————————–

*”مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ” (مر 16: 16) *”وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ”(تك 1: 2).

*”فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلْآبِ وَٱلِٱبْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلْأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ. آمِينَ“(مَتَّ 28: 19-20)

*”أَجَابَ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ، اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ“(يو 3: 6،5)،

1- *تتألف السنة الطقسية الكلدانية من أزمنة (سابوع – ܫܒܘܥܐ): https://saint-adday.com/?p=41329 البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو / السنة الطقسّية الكلدانية والاعياد موقع البطريركية الإعلامي في 27/ 1/2021

2-*موقع المعمودية في الجانب الغربي الشمالي، أي عند المدخل على اليسار. وكأن الروح يريد أنه يعلن للداخلين إلى الكنيسة أنه لا يجوز أن يعبر أحد إلى صفوف المؤمنين وينعم بسرّ المذبح ما لم يجتز أولاً داخل المعمودية ليؤكد ميلاداً روحياً يؤهله للاتحاد بالذبيح الإلهي! يدخل طالبو العماد تاركين وراءهم عالم الظلمة، ويعبرون إلى عالم الكنيسة المستنير والمجتمع الإفخارستيا “.

*نيقوديموس أحد الشخصيات المذكورة في العهد الجديد ويختص بذكرها إنجيل يوحنا، حيث يرد ذكره أربع مرات؛ كان نيقوديمس شخصية بارزة ومرموقة في المجتمع اليهودي أيام يسوع، فقد كان عضوًا في السنهدرين وبحسب الأناجيل فقد كان تلميذًا سريًا للمسيح أيضًا وعضوًا في حزب الفريسيين.

الآيات التالية إشارات مباشرة عن المعمودية في مواقع مختلفة من العهد الجديد: (مر 1: 9 ، 11)….(مت 3: 17،16)….(يو 3: 23)….(روم 6: 3 ،5،4)….(كو 2: 13،12). من هذه الشواهد الكتابية الواضحة نرى فيها أن التغطيس كان الوسيلة الوحيدة للمعمودية، فيوحنا عمد في نهر الأردن حيث المياه الكثيرة، لقد كان القصد من معمودية يوحنا هو تهيئة اليهود لاستقبال المسيا، “فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ وَلَهُ رُوحُ إِيلِيَّا وَقُدْرَتُهُ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَوْلادِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى حِكْمَةِ الأَبْرَارِ، لِيُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْباً مُعَدّاً”(لو 1: 17) وكلمة المسيح هنا “يليق بنا أن نكمل كل بر” أي بر الناموس. فالمسيح أكمل بر الناموس ومتطلباته، لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِالْجَسَدِ، فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ، لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ النَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ“(روم 8: 3، 4) **لا يسمح بأعاده المعمودية مرة ثانية أنّ هذا الأمر خطير اذا قاموا به لا يمكن أن يُقبل استناداً إلى قول بولس الرسول: “جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضًا فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ، رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ،….. قِيَاسِ هِبَةِ الْمَسِيحِ.” (أف 4: 7،6،5،4)

**تحتفل الكنيسة القبطية في مصر دائمًا بعيد الغطاس في موعد ثابت، بعد عيد الميلاد المجيد بـ 12 يوما، لان عيد الميلاد يكون يوم 29 كيهك، ثم يأتي عيد الغطاس في 11 طوبة. يحرص بطريرك الكرازة المرقسية بابا الأقباطعلى صلاة عيد الغطاس بالكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية، لأنها كانت المقر الأول للبطريركية قبل نقله إلى القاهرة. عيد الغطاس يرمز له في الوقت الحالي بالمعمودية بالتغطيس، وهى شرط أساسي ليصبح الإنسان مسيحيا، بحسب الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية. كان المسيحيون الأوائل يتم تعميدهم فقط في عيد الغطاس، ليصبحوا مسيحيين، ولكن حاليا يتم التعميد في اى يوم. وفي مصر يعمد المؤمنون في عيد الغطاس على ملئ البيوت بالقلقاسوليس عبثاً في ذلك، يقول القمص مرقس عزيزنأكل هذا الطعام بالذات في عيد الغطاس، فهناك أطعمة كثيرة أشهي منه، لكننا في الحقيقة نأكل القلقاس لأنه يقربنا من معمودية المسيح، ففي القلقاس مادة سامة ومضرة للحنجرة، وهي المادة الهلامية، إلا أنهذه المادة السامة إذا اختلطت بالماء تحولت إلي مادة نافعة، مغذية، ونحن من خلال الماء نتطهر من سموم الخطية كما يتطهر القلقاسمن مادته السامة بواسطة الماء!- والقلقاس يدفن في الأرض ثم يصعد ليصير طعاماً، والمعمودية هي دفن أو! موت وقيامة مع المسيح، ولهذا يقول معلمنا بولس الرسول مدفونين معه في المعمودية التي فهيا أقمتم أيضاً معه” (كو 2: 12) (رو 6: 4). كل عيد غطاس وأنتم بألف خير…. ودايم دايم أخدت شطار تكون.

سؤال وجواب: عن أنواع المعمودية / البطريرك لويس روفائيل ساكو / 27 ديسمبر، 2017 المقالات https://saint-adday.com/?p=21046

عن د. طلال فرج كيلانو

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …