الصوم هو موسم روحي يتجدد فيه ايماننا بالتوبة والغفران المقترن بالصلاة والعودة الى الله، هو زمن التأمل والطاعة والإصغاء إلى كلام الله. الصوم هو الرحمة والمحبة ومساعدة الفقراء والمحتاجين والمهمشين وتكريمهم ولنتذكر دائما الصلاة الربية “أعطنا خبزنا كفاف يومنا” ولنتقاسم بعضه معهم ويعد الصوم محطة في حياة المؤمنين لتصفية القلب والضمير وتطهير الجسد وهو نزهة روحية، لتجديد الايمان والرجاء والمحبة والسير في طريق الحق والحياة، فالصوم والصلاة جناحان يحلق بهما المؤمنين إلى السماء للوصول اليك والإقامة داخل بيتك يا الله.
الصوم في العديد من الثقافات والأديان يُعرف بأنه الامتناع عن تناول الطعام بشكل جزئي أو كلي ولفترة زمنية محددة ووفقاً لتراثها الفكري والكنسي، وله العديد من الفوائد التي تتصل بتحسين وظائف الجسم منها، التحكم في نسبة السكر في الدم، يزيد مقاومة الجهاز المناعي في الجسم، ويُعزز صحة القلب ويمنع ارتفاع ضغط الدم، ويعزز ظرائف الدماغ والوظيفة الإدراكية ويمنع الاضطرابات العصبية، يعمل على تخفيف الوزن، يؤخر الشيخوخة ويُزيد معدلات البقاء على قيد الحياة.
لماذا صومنا مختلف وكيف ورد الصوم في الكتاب المقدس:
بعهديه القديم والجديد يذكر الصوم في عدد كبير من آياته مع التركيز على أهميته ودوره وحاجة المؤمنين له كما ونستنتج من الآيات الكثيرة التي تذكره ان جزء منه صوما مفروضا والأخر صوما طوعياً.
الصوم العهد القديم هو مسيرة وعودة الى الله في التوبة من خلال الصلاة والتأمل وعمل الخير والرحمة والحق كما يقول النبي زكريا: “احكموا حكم الحق واصنعوا الرحمة والرأفة…” لذا، كانت الأصوام مشروطة بالتقوى وبطاعة كلمة الله وبالابتعاد عن ظلم الآخرين. تشير الآيات الى الصوم تحت تسمية الفريضة الأبدية وتحدده بيوم وساعات هذا الصوم، فرضته على كل مؤمن. ففي سفر العدد نقرأ: “وفي اليوم العاشر من الشهر السابع هذا، محفل مقدس يكون لكم، تذلّلون فيه أنفسكم، ولا تعملون فيه عمل خدمة”. الصوم الطوعي الذي قام به بعض الأنبياء ومنهم داوود الذي صام على أمل ان يرحمه الرب وان يحيا الصبي الذي ولد له من امرأة أورّيا: “لما كان الصبي حيا، صمت وبكيت، لأني قلت في نفسي: من يعلم؟ قد يرحمني الرب ويحيا الصبي”. وفي مواقع كثيرة في العهد القديم نرى ان الصوم الطوعي هو عبادة وايمان وتقشف وتواصل مع الله بالصلاة.
“ففعلوا كلهم وتضرعوا الى الرب الرحيم بابكاء والصوم والسجود مدة ثلاثة ايام بلا انقطاع “ (سفر المكابيين الثاني 13: 12)
“اعلموا أن الرب يستجيب لصلواتكم إن واظبتم على الصوم والصلوات أمام الرب” (سفر يهوديت 4: 12)
“نَادَيْتُ هُنَاكَ بِصَوْمٍ عَلَى نَهْرِ أَهْوَا لِكَيْ نَتَذَلَّلَ أَمَامَ إِلهِنَا لِنَطْلُبَ مِنْهُ طَرِيقًا مُسْتَقِيمَةً لَنَا وَلأَطْفَالِنَا وَلِكُلِّ مَالِنَا” (سفر عزرا 8: 21)
“صالحةٌ الصلاة مع الصوم، والصدقة خيرٌ من ادخار كنوز الذهب” (سفر طوبيا 12: 8)
“صرخ كل الشعب إلى الرب بابتهال عظيم، وذَلَّلوا نفوسهم بالصوم والصلاة هم ونساؤهم” (سفر يهوديت 4: 8)
“نَادُوا بِصَوْمٍ؟” (سفر الملوك الأول 21: 9، 12)
“أَذْلَلْتُ بِالصَّوْمِ نَفْسِي” (سفر المزامير 35: 13)
“قَدِّسُوا صَوْمًا. نَادُوا بِاعْتِكَافٍ. اجْمَعُوا الشُّيُوخَ، جَمِيعَ سُكَّانِ الأَرْضِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلَهِكُمْ وَاصْرُخُوا إِلَى الرَّبِّ” (سفر يوئيل 1: 14)
“وَلكِنِ الآنَ، يَقُولُ الرَّبُّ، ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ” (سفر يوئيل 2: 12)
الصوم في العهد الجديد لا نجد عنه أية إشارة على انه فرض بل كل الآيات التي ذكرت تؤكد على ضرورته وأهميته في الحياة المسيحية، ورتبته الكنيسة فيما بعد، علما أن تقاليد الصوم تختلف بحسب فكر وتراث الكنائس في أماكن مختلفة حول العالم، ويوجد أكثر من مناسبة وزمن للصوم، لكننا نرى ان الرب يسوع المسيح يشير الى أهميته وفعاليته عندما يخاطب التلاميذ قائلاً: “وَأَمَّا هذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ”(متى 17- 21 )، لذا يصبح الصوم أمرا مهما في حياة المؤمن تماما كما ان الصلاة مهمة وضرورية في حياة التعبد والتقشف، و جسراً للتواصل مع الله، ومسيرة للتوبة والعودة الى الاب، لذا نلاحظ ان التلاميذ كانوا يصومون ويصلون قبل أي عمل وقبل اتخاذ أي قرار مهم بالنسبة للحياة المسيحية وللكنيسة الأولى، وهذه اشارة تؤكد على أهمية ودور الصوم والصلاة في حياة المؤمنين وفي القرارات التي يتخذونها: “قال لهم الروح القدس: افردوا برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما اليه”. فصاموا وصلوا، ثم وضعوا عليهما أيديهم وصرفوهما”، وفي موقع آخر نقرأ ان الرسل أيضا قد صاموا وصلوا قبل اتخاذ قرارهم بتعيين مسؤولين في الكنيسة: “فعيّنا شيوخا في كل كنيسة وصليا وصاما، ثم استودعاهم الرب الذي آمنوا به ” الصوم ليس مجرد طاعة أمر أو وصايا، بل يجب أن يكون بدافع من رغبتنا الشخصية مع روح التواضع.
يعلمنا الرب يسوع كيفية الصوم لنيل الغفران العظيم: فيقول: “وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ، اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ، لِكَيْ لاَ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ، فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً”(مت 6: 17،16 ،18)، ويعلمنا الرب يسوع ايضاً أن الصوم المقرون بالصلاة يمنحنا قوة عظيمة على طرد الأرواح الشريرة فيقول: “فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ، “وَأَمَّا هذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ”(متى 17- 21،20).
صوم يونان الباعوثا
تروي آيات “سفر يونان” سيرته وكما ذكر السفر أن الله أراد ان يهدي أهل مدينة “نينوى” إحدى المدن الكبيرة نظرًا لما ارتكبوا من معاصي وأخطأ مزرية أغضبت الله، فامر النبي يونان بان يذهب اليهم ليدعوهم الى التوبة، وعندما علم النبي يأمر الله له خاف “يونان النبي” من هذه المسئولية فإعتلى إحدى السفن هرب إلى ترشيش* وروى السفر أن يونان النبي عندما غلبه النعاس عصفت الامواج سفيتنه فاحتشد البحاره وصرخ كل منهم لإلهه فاجتمع الجميع ليعرفوا السبب وراء غضب الله عليهم فأقر النبي بهروبة من أمر الله فقرروا أن يلقوا به في أعماق البحر الغاضب فهدأ البحر، وفي تلك الاثناء ابتلع الحوت هذا النبي ومكث بداخله لمدة ثلاثة أيام فصلى إلى الله من جوف الحوت واستجاب له وخلصه فذهب بعدها إلى اهل نينوى يحثهم على التوبة عن الخطايا، وساعده الله في إنجاح ما أرسل من أجله. وفي هذه الفترة التي تصوم الكنيسة تذكارًا لهذه الواقعة وبحسب متى البشير يقول “فَأَجابَ وَقَالَ لَهُمْ: جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ، لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ ههُنَا”(مت 12: 41،40،39).
“وَصَارَ قَوْلُ الرَّبِّ إِلَى يُونَانَ بْنِ أَمِتَّايَ قَائِلًا: قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ وَنَادِ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ قَدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي”(سفر يونان 1: 2،1).
فالباعوثا او الطلب هي إذا ذكرى لتوبة اهالي نينوى، الذين سمعوا كرازة يونان فقضوا اياما بالصلاة والصوم نادمين على خطاياهم وسائلين الرحمة من الله، وعلى مثالهم نقضي نحن ايضا ثلاثة ايام توبة بالصلاة والصوم والصدقة واعمال الرحمة والمحبة الاخوية والتقرب الى الاسرار لكي يعفوا عنا الرب. “فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِاللهِ وَنَادَوْا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحًا مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ” (سفر يونان 3: 5)، ، لهذا نلتزم بهذا الصوم حتى ان الكثير ينقطع تماما عن الطعام خلال هذا الصوم.
*صوم الكلدان الباعوثا:
كلمة كلدانية باعوثا – ܒܥܘܼܬܐ“تعني بالسريانية الطلب والابتهال او التماس او تضرع، هو زمن للصلاة والصوم، ممارسة روحية مسيحية رائعة وغنية بنصوصها الجميلة. https://saint-adday.com/?p=29 هي زمن ليتورجي/ طقسي، تستمر مدة ثلاثة ايام، من الاثنين الى الأربعاء يسودها طابع التوبة والصوم والندم على ما يقترفه الانسان من زلات وأخطاء ضد اللـه والناس. تقع الباعوثا كل سنة في الاسبوع الخامس من موسم الدنح، وبالتحديد قبل ثلاثة اسابيع من مجيء الصوم الكبير. في اليوم الثالث والاخير يـحتفل بقداس احتفالي كبير وذلك لمناسبة انتهاء فترة الحداد والصوم وبدء حياة جديدة.
الباعوثا وبحسب البطريركية الكلدانية، صوم ليس له علاقة بصوم نينوى بل بانتشار وباء الطاعون الذي اكتسح مناطق عديدة من العراق في القرن السابع*، وبسببه قرر البطريرك والأساقفة وقتها القيام بهذه العبادة لرفع الصلوات، ويصوم المؤمنون ثلاثة أيام والصلاة على نية وقف الكارثة التي حلت بالناس، فكانت النتيجة أن بطل الموت وزال شبح الطاعون، تماماً مثلما نفعل في أيامنا هذه من اجل الخلاص من وباء كورونا، فاتفق رؤساء الكنيسة، منذ ذلك الوقت، على أن يحيوا هذه الذكرى سنويا من خلال صوم الباعوثا الذي تواصل الكنيسة القيام به إلى يومنا هذا وان معظم نصوصها في الصلاة نظمها مار أفرام (307-373) ومار نرساي (399-503)،معتمدين على أساس ما ورد في سفر يونان، اي في القرنين 4 و5. هذا يعني ان الباعوثا كانت موجودة كنوع من ممارسة طقسية للتوبة منذ ذلك الوقت المبكر، ومن الجدير بالذكر أن نرساي ولد في قرية تقع شمالي شرق مدينة الموصل الحالية، فلا بد والحال هذه ان تكون ذكرى توبة اهل نينوى موجودة وممُارسة في ايامه، هذا ان لم تكن سابقة لوقته بسبب اشعار مار افرام حول توبة اهل نينوى التي سبقته بمدة من الزمن.
الباعوثا هي ارث اصيل في تراثنا الكنسي المشرقي، وهي ليست صلاة حصرية على الكلدان فقط، بل انـها صلاة وممارسة دينية وتقوية الفتها شعوب المشرق عموما، الا ان قصة يونان المرتبطة بنينوى تشجعنا على الالتزام بالظروف والعوامل التاريخية من نكبات وكوارث، كلها ساهمت في جعل هذه الصلاة ظاهرة تقوية سنوية للتوبة الحقيقية النابعة من القلب.
وبناءا على ما تقدم فان صوم يونان له مكانة كبيرة في وجدان مؤمني الكنيسة الكلدان نظرًا لما يحمله النبي يونان من رمزًا لتحمل الاخطأ المرتكبة من قبلنا، كما تعكس قصته صورة التوبة، واشتهر هذا الصوم في الكنيسة السريانية منذ آواخر القرن الرابع الميلادي، دخلت إلى الكنيسة القبطية في عهد البابا إبرآم بن زرعة السريانى البطريرك الـ62 في القرن العاشر عام 976م ويعرف كنسيًا بـ”صوم نينوى” فيقع صوم يونان دائمًا قبل بداية الصوم الكبير بأسبوعين وتصومه الكنيسة القبطية تشبهًا بالنبي يونان واستمطارًا لمراحم الله. كما إنه يهيئ أذهان المؤمنين لرحلة الصوم الكبير من توبة ودفن وقيامة مع المسيح وكما حدث مع يونان النبي.
أربعـاء الرمـاد والصــوم تـبدأُ كنيسة اللاتين:
صومَها برتبة مقدسة هي تكريس رماد مخلوط بالزيت ويوسم به جبين المؤمن الذي يحضر المراسيم معلنة بذلك بدء فترة التـوبة وتدعوه الى فحص الحياة خلال الصوم على ضوءِ الإيمان بالمسيح، ولإصلاح السَّيئ من السلوكِ. هذه الرتبة أخذتها الكنيسة المارونية من اللاتين، وتحتفل الكنيسة السريانية بصوم نينوى الذي يبدأ يوم الإثنين من الأسبوع الثالث الذي يسبق الصوم الأربعيني المقدس، وهو ثلاثة أيّام، بحسب التقويم الطقسي للكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، كما دخل صوم الباعوثة في طقوس كنيسة السريان الأرثوذكس في سوريا والعالم ، وقد ألتزموا به منذ القرن الرابع الميلادي ، ومنهم أخذوا الأرمن هذا الصوم ويدعونه( سورب سركيس )،المشابه لما يمارسه الكلدان. http://www.chaldeaneurope.org/2015/02/22/ وفي العموم يعتبر صوم نينوى من الأصوام الهامة في الكنائس الشرقية عند الكلدان والسريان والأشوريين والأرمن والأقباط ومعروف فكريا وروحيا لدى الكنائس الأخرى وله مكانة مميزة كما للصوم الأربعيني.
اعزائي صومنا هو مشاركة في خبرة المسيح التي عاشها مجرّبا في البرية من الشيطان. لذا صومنا هو إدانة وتحدٍّ للشيطان وللخطيئة وللشر، وصمود وثبات في الايمان لقد علمنا الرب يسوع ان التغلب على الشر والتجارب لا يمكن ان يتحقق ذلك الا بالصلاة والصوم، ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “لقد أشار ربنا ان الصوم مع الصلاة يخرج الشيطان. فسبيلنا ان ننهض من غفلتنا ونحافظ على الأصوام المَرضِيّة لإلهنا، لنفوز بنعيم ملكوته” ويقول ايضا “الصوم يرفع البشر ويقرّبهم من الله: أتريد أن تعرف كم يزيّن الصوم البشر، كم يحميهم من كل جانب، كم يؤمّن حياتهم، هذه هي النعمة.
يا رب منك نستمد القوَّة أعطِي شعبك روح يونان وطاعة نينوى، ولنقتدي بهم كيف عرفوا أرضائك بتوبتهم وبابتعادهم عن الشر، والمصالحة معك، ومع القريب لعمل الخير بكل قوة ….. ونطلب السلام لجميع العالم، والى الكنيسة العون والقوة لحماية المؤمنين وان تواصل احياء هذه الذكرى السنوية لصوم يونان الباعوثا ….. الى الرب نطلب.
د. طلال كيلانو
—————————————————————————————————
وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ، لِكَيْ لاَ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ، فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً”(مت 6: 17،16 ،18).
*“لا علاقة لممارسة باعوثا الكنيسة الكلدانية بأهل نينوى، إنّما يعود تنظيمها إلى تفشّي وباء الطّاعون في بلاد ما بين النّهرين أيّام الجاثليق حزقيال(570-581)، حيث مات الألوف من النّاس، فدعا الجاثليق النّاس إلى الصّيام والصّلاة والتّوبة لمدّة ثلاثة أيّام من أجل زوال الوباء. هذا ما حدث (طالع كتابنا سبر البطاركة ص51). إستلهم الجاثليق حزقيال ومعاونوه عناصر سفر “قصّة يونان” لمساعدة النّاس على الصّلاة والتّوبة، فنظّم مواعظ شعريّة ومداريش شجيّة، اقتبسها من ميامر مار أفرام ونرساي وآخرين، وصلوات وطلبات، وسمّاها “باعوثا نينوى” تيمّنًا بالصّوم الّذي ورد في سفر يونان”(العراق 20 كانون الثاني 2021 البطريرك ساكو: جائحة كورونا تتطلّب الباعوثا).
*النبي يونان: يونان هو الصيغة الآرامية للاسم العبراني يونة وتعني الحمامة، ويونان بن أَمتاي من سبط زبولون عبراني من القرن الخامس قبل الميلاد، وهو من أهالي جت حافر على بعد ثلاثة أميال من الناصرة. روت التوراة أنه طرح في البحر وابتلعه الحوت، ثم قذفه إلى البر بعد ثلاثة أيام. فرحل إلى نينوى وهناك دعا أهلها إلى التوبة. أسبانيا،
*الجاثليق حزقيال: كان تلميذ مار آبا الكبير، كان اسقفاً لأبرشية الزوابي. سنة 570 انتخب جاثليقاً لكنيسة المشرق. وفي سنة 576 عقد مجمعاً كنسياً، وقد سن خلاله 39 قانوناً لخير الكنيسة، وقد استقامت الأمور على يديه ورضي به سائر الناس. وفي زمانه عرف صوم باعوثة نينوى. توفي سنة 581.2 ساكو، سير بطاركة *كنيسة المشرق وبطاركة الكنيسة الكلدانية، بغداد 2020، ساكو، رتبة باعوثا، بغداد 2016 ويقال أن هناك سبباً آخر لهذا الصوم، أنه في سالف الزمان حدث في مدينة كرخ سلوخ (كركوك حالياً) موت جارف حصد الكثير من الناس، وكان أسقف تلك البلاد هو مار سبريشوع. فجمع رعيته ودعاهم لإقامة الباعوثة فلبوا دعوته، فصام الجميع حتى الأطفال والأغنام ولبسوا جميعاً المسوح، فدفع الله عنهم ذلك الغضب. ولما علم الجاثليق حزقيال (570-581) بالأمر كتب إلى جميع المراكز التابعة لجاثليقية المشرق ليصوموا ويصلوا ثلاثة أيام، وحدد أن يبدأ هذا الصوم يوم الاثنين قبل بدأ الصوم الكبير بعشرين يوماً، وأطلق عليها باعوثة نينوى تشبهاً بأهلها الذين آمنوا وتابوا فقبل الرب توبتهم وأبعد غضبه عنهم.
https://drive.google.com/file/d/0ByXHTfVWuXRfMTc2NmNnXzJDSzA/view?resourcekey=0-TLoiVkvB0YnL6mL4Y5i0tQ هذا الرابط يحتوي على مصدر مهم جدا هو/ الاسانيد الكتابية والتاريخية لصوم اهل نينوى/اعداد الاغسطين حسام كمال عبد المسيح….
أقدم شكري واعتزازي الى السادة المحكمين لموضوع صوم الباعوثا – أعلاه……. لهم كل الشكر والتقدير….. وادناه بعض اراء من كان محكما علميا وفكريا له.
1- الأخ العزيز الشماس الأستاذ يوسف زهير …. يأتي هذا المقال المهم ونحن نستقبل ايام الباعوثا من أحلى ايام السنة لما فيها طقوس متوالية تجتمع فيها العائلة لغرض الصلاة و تأديتها …. نرى ان الصلوات ايضا تتسم بطابع خاص ترتبط مع سفر يونان … وهذا الارتباط نوه اليه الدكتور طلال بشكل علمي وجميل في مقاله الرب يبارك هذه الجهود…
2- الأخ والصديق والقريب باسل هرمز كبارة الذي بذل مجهودا في تعديل بعض من مساراته وأضاف بعضا من الآراء حول اهمية الصوم..
3- الأخ والعزيز الشماس سمير اسطيفان عوديش الذي ساهم في اثراء الموضوع تجربته الفكرية ودراساته عن الصوم، ودون الاتي ((مارن إثر حمعلين ماران قبّيل باعوثن)) بدموع وحسرات ْ نَدعوك َربَّنا الكَريم ْ كُن هادياً لخطانا أنر درب َحياتنا (صوم الباعوثة )، لايزال يحمل بلاغات ملحة لنا اليوم إلا وهي بالصلاة والصوم والألم، نتضرع الى الرب يسوع المسيح ليقبل توبتنا ويخلصنا بمراحمه ويمنحنا مغفرة لخطايانا ((آمين )) شكراً جزيلاً أخي العزيز الدكتور طلال كيلانو لما بذله من جهد رائع في المقال اعلاه لكي تعم ّالفائدة للجميع وفي كل مكان أوضح فيه الجوانب الروحية واليتروجيا والنفسة ، ليعيش الحياة المسيحة من خلال هذا الصوم والصلاة والمحبة والايمان ، وصلاتنا ستكون أولى عبارات الإمتان لحضرتك ايها المؤمن ، َبمناسبة صوم الباعوثة لنعد أنفسنا لهذا الصوم خلال الأيام القادمة نحو توبة جذرية تَصل إلى عمق كياننا فنتجدد من الداخل بالروح القدس ( آمين )