إيّاكُمْ أنْ تعمَلوا الصَدَقة ليراها الآخرون. لا تكونوا مِثلَ المُرائين في أداءِ الصلاة. لا تكونوا عابِسينَ في الصوم.
ينتقد المسيح أولئك الّذين يقومون بالأعمال الصالحة لكي يراهم الناس (متى 6: 1). يطلب مِنّا الرَب يسوع أنْ نَبني الأمان الداخلي ليس فيما نَفعله مِنْ أجلِ الله، ولكن فيما يَفعله الله لنا. مِنْ النَصيحة الّتي يُقدِّمُها، يَكشف عن النوع الجديد مِنْ العلاقة مع الله: “أبوك، الّذي يرى في الخِفيَةِ هوَ يكافِئُكَ” (متى 6: 4). “لأنَّ الله أباكُم يَعرِفُ ما تَحتاجونَ إلَيهِ قَبلَ أنْ تسألوهُ” (متى 6: 8). “إنْ غَفَرتُم للناس خَطاياهم، يَغفِرْ لكُم أبوكُمُ السَّماويُّ” (متى 6: 14). إنَّه طريق جديد ينفَتح الآن للوصول إلى قلبِ الله الآب. لا يَسمح يسوع باستخدام مُمارسة العدالة والتقوى كوسيلة لتعزيز الذات أمام الله وأمام المجتمع (متى 6: 2، 5، 16).
في مواجهة الفرِّيسيَّة هذه، قال لهُم يسوع: “أنتُم تُبرِّرونَ أنفُسَكُم عِندَ الناس، لكِنَّ اللهَ يَعرِفُ ما في قُلوبِكُم. ورَفيعُ القَدْرِ عِندَ الناسِ رَجِسٌ عِندَ الله” (لوقا 16: 15). يَظهر هذا المجد الباطل علانيَّة في حَدَث الفريسي والعشار (لوقا 18: 9-14). السعي وراء المجد يَعني أنْ يُغلِق الإنسان أُذُنه عن الاستماع إلى الكلمة، وبهذه الطريقة يكون القلب مُنغلقاً أيضاً على الإيمان. فيجادل يسوع الفريسيين ويُوبّخَهُم: “كيفَ تُؤمِنونَ، ما دُمتُم تَطلُبونَ المَجدَ بَعضُكُم مِنْ بَعضٍ، والمَجدُ الّذي هوَ مِنَ الله الواحدِ لا تَطلُبونَهُ؟” (يوحنا 5: 44).
كيفيَّة مُمارسة الصدقة. إنَّ إعطاء الصدَقات هو وسيلة للمُشاركة، أوصى بها المسيحيون الأوائل بِشدّة (أعمال الرسل 2: 44-45؛ 4: 32 – 35). والشخص الّذي يُمارِس الصدَقة والمشاركة للترويج لِنَفسِهِ قبل الآخرين كان يُستبعد مِنْ الجماعة، كما حدَث مع حنانيا وسفيرة (أعمال الرسل 5: 1-11).
اليوم، في المجتمع وفي الكنيسة على حَدٍّ سواء، هناك أُناس يقومون بدعاية كبيرة لما يفعلونَهُ للآخرين. يطلب يسوع عكس ذلك: أنْ تفعل الخير بِطريقة تَجعل اليد اليسرى لا تعرف ما تفعله اليمنى. (عمل الصدَقة) في تنزّه تام وعطاء كامل في مجانيَّة الحُب، هو الّذي يؤمن حقيقة بالله الآب ويَسير على منوال الآب في كُلِّ ما يفعله.
كيفيَّة مُمارسة الصلاة. تضع الصلاة الشخص في علاقة مُباشرة مع الله، وقد حوّل بعض الفريسيين الصلاة إلى فرصة لإظهار الذات وأداءها أمام الآخرين. في ذلك الوقت، عندما كان يَدقّ البوق في اللحظات الثلاث للصلاة، صباحًا وظهراً ومساءً، كان عليهم التوقف عند المكان الّذي هُم فيه للصلاة. كان هناك مَنْ حاول البقاء في الزوايا في الأماكن العامة حتّى يرى الجميع أنَّه يُصلّي. حسنًا، موقف مِنْ هذا النوع يُفسِد علاقتِنا مع الله، فهو أسلوب خاطئ في مَعنى وأداء الصلاة ولا فائدة مِنْه. لهذا السبب، يَقول يسوع أنَّه مِنَ الأفضل أنْ تُغلِق على نفسِك في الغرفة وتُصلّي في الخفاء، مع الحفاظ على أصالة العلاقة. يراك الله أيضًا في الخفاء، وهو يُصغي إليك دائماً. إنَّها صلاة شخصيَّة وليست صلاة جَماعة.
أنْ نُغلق بابَ غرفتِنا يعني قطع كُل ما يُعيقنا ويحاول جعلنا مُرتَبطين بسعادة مؤقَّتة، مِنْ هنا علينا أنْ نتَذكَّر ما قاله الرب يسوع: “ماذا يَنفَعُ الإنسانَ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَّهُ وخسِرَ نَفسَهُ؟ وبِماذا يَفدي الإنسانُ نَفسَهُ؟” (متى 16: 26).
كيفيَّة مُمارسة الصيام. في ذلك الوقت، كانت مُمارسة الصيام مَصحوبة بِبَعض الإيماءات الخارجيَّة الواضحة: عدم غَسل الوجه، وعدم تلطيف الشَعر، وارتداء ملابس غير أنيقة. كانت علامات واضحة للصيام. ينتقد يسوع هذا الشكل مِنْ الصيام ويأمر بالعكس، حتّى لا يدرك الآخرون أنَّك صائم: اغتسل، واستخدم العطر، وأدهن شعرك جيَّداً. وهكذا ، فإنَّ الأب الّذي يرى في الخفاء، وحده يعلَم أنَّك صائِم وسيعرف كيف يكافئك.
الصوم يتَطلَّب ضبط النَفس والتأديب، يتَعلّم فيه الإنسان كيف يُجابِه الشرير. أثناء الصوم على المؤمن أنْ ينزع انتِباهِهِ لأشياءِ العالم الماديَّة ويُركِّز بِشكلٍ مُكثَّف على إرادة الله. بعبارةٍ أُخرى، يجب أنْ يوَّجِه الصوم جوعنا نحو الله، فهو يُنَقّي الذهن والجَسد مِنَ الاهتمام الأرضي ويُقرِّبُنا مِنَ الله، وهكذا، عندما نكتَسب وضوحاً في الفِكر الروحي ونحن نصوم، فإنَّه يَسمح لنا بِسماعِ صوت الله بِشكلٍ أكثر وضوحاً. بالتالي يُظهِر الصوم أيضاً الحاجة العَميقة إلى عون الله وإرشاده مِنْ خلالِ الاعتماد الكامل عليه.
لكن الرَب يسوع يُصوّر لنا الصوم الحقيقي ليس وسيلة لِكَسبِ رِضى الله بِجعلِه يفعل شيئاً مِنْ أجلِنا. بدلاً مِنْ ذلك، الهدف هو إحداث تَحوّل فينا: اهتمام أكثر وضوحاً وتركيزاً واعتماداً على الله.
بقلم: الأب سامي الريّس