الأحد السابع من الرسل

لوقا 13: 22-30

لا ننسى أنه من الفصل التاسع إلى التاسع عشر يتحدث لوقا الإنجيلي عن رحلة يسوع إلى أورشليم حيث هناك سيتمم كل رسالته من خلال سر الفصح. أعلن الرب يسوع خلال مسيرته بين المدن والقرى كلماته وتعاليمه، إلى أن وصل أحد الأشخاص ويسأل: “يا سيد، أقليل عدد الذين يخلصون؟” (يمكننا أن نترجمه بهذا الشكل: أقليل عدد الناس الذين يسيرون في طريق الخلاص؟)، عندما نسمع من القديس لوقا عدم تحديد هوية الشخص فهذا يعني في التفكير اليهودي أن الشخص لديه صعوبة في إدراك معنى إيمانه وبالتالي لديه مشاكل خفيّه مع في حياته ويرغب في معرفة الحل! بالفعل فالشعب اليهودي كان يعتقد أن الخلاص كافٍ للإنسان فقط إذا كان من نسل إبراهيم. لقد حاول يوحنا المعمدان بالفعل تدمير هذه الثقة الكاذبة بالنفس فقال: “يا أَولادَ الأَفاعي، مَن أَراكُم سَبيلَ الـهَرَبِ مِنَ الغَضَبِ الآتي ؟ فأَثمِروا إِذاً ثَمَراً يَدُلُّ على تَوبَتِكم، ولا تُعَلِّلوا النَّفْسَ قاِئلين: إِنَّ أَبانا هوَ إِبراهيم. فإِنِّي أَقولُ لَكم إِنَّ اللهَ قادِرٌ على أن يُخرِجَ مِن هذهِ الحِجارَةِ أَبناءً لإِبراهيم” (لوقا 3: 8).

يجيب يسوع السأل بنفس الكلمات لكن بعبارة أخرى: “اجتهدوا ان تدخلوا من الباب الضيق أقول لكم، كثير من الناس سيحاولون أن يدخلوا فلا يقدرون”. في جواب يسوع هذا أراد أن يفهم السامع ليس نظرياً بل أن يثقّف تلاميذه أيضاً في معرفة حقيقة الإيمان الذي آمنوا به على أن لا تكون أسئلتهم فقط من باب الفضول بل من باب معرفة الحقيقة والحكمة.

“السعي أو الاجتهاد”: هو قانون للتضحية من أجل الإنجيل هو القانون الأساسي للجميع للنمو الروحي. يجب أن نسعى إلى الدخول في منطق الانجيل. فلا يكفي، أن نكون منتمين لشعب معين، حتى الشعب المختار الذي منه يأتي المخلص، عليه أن يعرف لا يكفي أن يقول: “أكلنا وشربنا معك، وعلّمت في شوارعنا! فيقول لكم: لا أعرف من أين أنتم. إبتعدوا عني كلّكم يا أشرار”.

الشيء المهم هو المرور من الباب الضيق، أي الالتزام والجهد الشخصي في البحث عن ملكوت الله. هذا هو فقط مقياس أنتماءنا إلى المسيح، وهو الضمان الوحيد الذي يضعنا في الطريق الى وليمة الملكوت.

الباب الضيق التي نتحدث عنها ليست بالضرورة تلك التي سندخلها في اليوم الأخير في الملكوت، ولكن هو الباب الذي يسمح لنا بالدخول، حقيقة منذ هذه الحياة، في الملكوت الذي بشر به المسيح والعيش بحسب متطلباته.

الباب الضيق لا يعني أنه فقط هناك مجال لقلة من الناس، ولكنه باب يمكن للجميع أن يدخله. يصف لوقا الإنجيلي بلغة عالمية نموذجية الخلاص: “سوف يأتي من المشرق والمغرب، من الشمال والجنوب، ويجلسون إلى المائدة في ملكوت الله”. علينا أن نتذكر دائما الحقيقة: “الله يريد أن يخلص جميع الناس ويبلغوا إلأى معرفة الحق” (1 طيم 2: 4) ولحسن الحظ، وهذا أفضل شيء يعمله الله أن يحقق ما يريده هو وليس ما نريده نحن.

“الباب الضيق” يعني هناك ظروف قوية سيمر بها صعبة للغاية، فيها معاناة، فيها تجارب، فيها آلام، وفيها إحباط، ولكن كاتب رسالة العبرانيين يقول: “لأن من يحبّه الرب يُودِّبه ويَجلِدُ كُل ابن يرتضيه” (عب 12: 6).

أغلى النعم تأتي إلينا في أوقات الشدة والمعاناة. في الشدة والمعاناة نشترك نحن أيضاً ونتّحد مع المسيح في آلامه وفي مجده. لذا، يجب علينا أن نحمل الصليب معه ونفّك قيوده ونسير معه بشجاعة وثقة. الرب هو طيّب جداً وحبه هو الحب الحقيقي والحب الحقيقي يطلب كل الأمور إلى بذل الذات. ولكن هذا الطلب هو إيجابي، لأنه مصدر الفرح والثقة.

قال البابا القديس بولس السادس: “إذا المسيحية ليست سهلة هذا أمر طبيعي ولكنها تجعل الإنسان سعيداً”. حتى أبن الله يسوع المسيح من أجل أن يهبنا السعادة الأبدية: “وهو الَّذي في أَيَّامِ حَياتِه البَشَرِيَّة رفعَ الدُّعاءَ والاِبتِهالَ بِصُراخٍ شَديدٍ ودُموعٍ إلى الله القادر أَن يُخَلِّصَه مِنَ المَوت، فاستجابَ له لِتَقْواه. وتَعَلَّمَ الطَّاعَةَ، وهو الاِبن، بما عاناه مِنَ الأَلَم. ولَمَّا بُلِغَ الكَمال، صارَ مصدر خَلاصٍ أَبَدِيّ لِجَميعِ الَّذينَ يُطيعوَنه” (عب 5: 7-9). حتى العذراء مريم إجتازت من الباب الضيق لتصبح هي مثالاً يُقتدى به كل الجنس البشري. قالت القديسة روز من ليما: “من قبل المسيح وبكلماته الشخصية أُنبّهكم وأقول لا يمكننا أن ننال النعمة دون معاناة والآلام”.

لقد كان يسوع أمام اليهود، المنحدرين من شعب الله المختار والذين رفضوه، أن يدخلوا من الباب الضيّق الذي هو المسيح بالذات، أنه المسيح الذي تنبأ عنه الأنبياء. العشارين والوثنيين، على العكس، أهتدوا وقبلوا الدخول في طريق ملكوت الله، الذي هو يسوع نفسه. بهذه الطريقة نفهم ما معنى أن الذين كانوا يعتبرون أنفسهم بأنهم هم الأوائل في ملكوت الله أصبحوا الأخيرين في قبول كلمته أما الذين كانوا لا يعرفون شيئاً عن هذا الملكوت قبلوه أولاً.

إذن يوضح يسوع في كلماته هذه معنى الملكوت: الباب الذي يؤدي إلى الوليمة ضيق وكثير من الناس يتزاحمون هناك. كثير من الذين اعتقدوا أن بوسعهم الدخول سوف يتفاجأون بأن الباب مغلق أمامهم، مع كلمات شديدة من الرب: “لا أعرف من أين أنتم. إبتعدوا عني كلّكم يا أشرار! هناك يكون البكاء وصريف الأسنان…”.

كتب البابا القديس بولس السادس كلمات رائعة فقال: “مَن سيذهب الى الحياة الأبدية؟ سيذهب أولئك الذين استجابوا لمحبة الله ورحمته، أما الذين يذهبون الى النار التي لا تطفأ هم أولئك الذين حتى في آخر لحظة من حياتهم رفضوا محبته ورحمته”. ليس إذن الله هو الذي يدين بل الخاطيء الذي برفضه هو يدين نفسه. الضياع أو السقوط في الخطيئة ليست هو نهاية المطاف لحياة الإنسان، بل “قسوة القلب” هي التي تؤدّي الإنسان إلى الهلاك أي إلى عدم الدخول في وليمة الملكوت.

طريق المسيحية هو ضيقة في البداية، ولكن عند اتخاذه، سنجد أنه طريق يؤدّي إلى مكان أوسع، لأن فيه نجد الرجاء والفرح وسلام القلب. البابا القديس يوحنا بولس الثاني قال: “المسيحية ليست عددا هائلا من الأمور المعقّدة، بل هي سلام، وفرح، وحب، وحياة تتجدد دائماً، كسر خفقان الطبيعة في أوائل الربيع”.

أن نكون مسيحيين يعني أن نحب كما أحب المسيح، حب حتى الموت الموت على الصليب. هذا هو الباب الضيق، الذي يقودنا إلى الفرح، فرح ملكوت السماوات.

بقلم: الاب الدكتور سامي الريس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …