يوحنا 2: 12-22
“أنقضوا هذا الهيكل وأنا في ثلاثة أيام أُقيمه” هذا ما يقوله الرب يسوع في الهيكل. لكن قبل هذا النص أي في قصة قانا الجليل يقدّم لنا الإنجيلي أين يسكن الرب يسوع! في الفرح وفي المحبة. وفي إنجيل اليوم نجد أن الهيكل مسكن الله المتسامي، يخيب الظن، فلا يجسّد حقيقته الأصلية.
صورة ثمينة للمصلحين وللمعارضين لطبيعتهما، فللمصلحين والمحافظين على كل الأمور وفي كل الأوقات هناك ظلمة مقلقة ومهددة، لا يمكن أن تُنسى. فإذا كان التلاميذ الأوائل، لم يحركهم ساكن، بل وضعوها في موضع خاص، بالتأكيد لأنهم كانوا يرغبون بإظهارها وعدم تركها أن تمر بشكل غير مبالي، لهذا كتبوا هذه الحادثة كي يقولوا لنا كيف كانت تسير الأمور في الهيكل آنذاك. ربما بالنسبة لنا نحن المسيحيون لا نعير لها أي إهتمام لأننا نقول هذا حدث في هيكل اليهود!؟ في هيكل أورشليم الغير موجود حالياً. من ثم نقول لا داعي الحديث عن التطهير لأنه حدث ومضى. لكن لأجل فهم أكثر لمعنى إنجيل اليوم وما هو تأثيره علينا؟ علينا أن نتوقّع في أية لحظة يأتي المسيح ويطردنا من كنيسته اليوم!
السؤال ماذا سنقول اليوم إذا رأينا يسوع يفعل هذا بنا؟ ألا نقول نحن أيضاً لماذا تفعل هذا؟ ألا نقول له بأن الأمور إختلفت اليوم عن ما كانت في السابق؟ ألا نقول أنه لا يعيش في حقيقة هذا العالم؟ ألا نتشكك من فعله هذا من ثم نقول إذا كانت هكذا الكنيسة فسوف لن نأتي مرة أخرى؟
علينا أن ندرك أن هوية شعب الله أسست على العهد والهيكل والشريعة. الملوك والكهنة هم حراس هذه الهوية، مثل أي حارس، يحاولون أن يصبحوا أسياد. لكنّهم نسوا أن حراسة الهيكل مهمة مقدّسة عليه أن ينتبهوا لئلا يرحل مجد الله عن الهيكل كما نقرأ في سفر حزقيال: “وأرتفع مجد الرب عن وسط المدينة ووقف على الجبل شرقي المدينة” (حز 11: 23). رحيل الله عن الهيكل أو عن المدينة دليل على أن الشعب وقع في عبادة آلهة أخرى غير الله في إرميا نقرأ: “أي حق لأمتي الحَبيبة في بَيتي إذا هي عملت الشر؟ أَتظن أن النُّذورَ والذبائح المُقَدَّسَة تدفع عنها الهلاك؟ فإذا كان الرَّبّ سَمَّاكِ مرّةً زَيتونَةً خَضْراءَ شهية الثَمَر. فهو بِهبّّةِ ريحٍ عاصفةٍ يُضرمُفيك النارَ فتلتهمُ أَغْصانَكِ. وإذا كان الرب القدير الَّذي غرَسَكِ تَكَلَّمَ علَيكِ شَرّاً فلان بَيتِ إِسْرائيلَ وبَيتِ يَهوذا، فعلوا الشَّرَّ لِيُغيظوه بِتبخيرهم لِلبَعْل” (إر 11: 15-17).
ما قام به يسوع هو فعل نبوي ذي معنيين: الأول: في خط الأنبياء، هناك دوماً إنتقادات لحالات، وأغلب الأحيان لأصحاب المصالح ومَن يمتلك القوة والسلطان، حيث لأجل ذلك ولدوا الأنبياء (اشعيا 1: 10-17، إرميا 7: 1-15؛ ملاخي 3: 1-) نصوص تجعلنا نفهم مصير الأنبياء الذي يوصف بالمبدع (عب 11: 32-40). النبي هو صوت الضمير الذي يتحدّث مع الشعب، لكي يخرجه من أية هرطقة وإنحراف. فمثلما كانت رسالتهم، هكذا كانت رسالة المسيح التي تعطي القوة. الثاني: أنه فعل نبوي على نفس نمط إرميا النبي (إر 13: 1-؛ 19: 1-؛ 27: 1-؛ 32: 1-) الذي يسبق صورة رسالة المسيح في كتاباته. المحنة الكبرى (عقوبة الجلد) علامة الشر التي تحضن الهيكل، سوف تندحر به، أي من الآن فصاعداً سيهيّئ هيكلاً جديداً بموته وقيامته.
الأن إذا أردنا أن نفهم معنى إنجيل اليوم علينا أن نعود ونقرأ قصة قانا الجليل، التي تذكّرنا كيف يتحوّل الشعب من العهد القديم إلى العهد الجديد بالخمر الجديد، أي منذ الآن هناك هيكل جديد، هو يسوع المسيح، ومن ثم نذهب ونقرأ بعد قصة اليوم قصة لقاء يسوع مع نيقاديموس والشريعة الجديدة التي يهبها الروح للولادة الجديدة.
عندما تشير مريم العذراء إلى نفاذ الخمر في عرس قانا الجليل، إنما كانت تمثّل حسب فكرة يوحنا الحبيب، المرأة، رمز الشعب القديم وقد بلغت نهاية هذا العهد القديم: “تغرسونَ كُروما وتفلحونها، ولكن خمراً لا تشربون وثمراً لا تجمعون منها، بل يأكلها الدود” (تثنية 28: 39). ولم يعد للمسيح شأن مع تلك المرأة. ولكن بمقدار ما تواصل أمه مسعاها للحصول على مزيد من الخمر المجانية للوليمة الآواخرية: “وأُعيد شعبي إسرائيل من السبي، فيبنون المدن المُخرّبة ويقيمون بها، ويغرسون كُروماً ويشربون من خمرها وجنائن ويأكلون من ثمرها” (عاموس 9: 14). بمقدار ذلك تمثّل مريم العذراء امرأة جديدة هي عروس الأزمنة المسيحانية، أي الكنيسة التي تشرف بأمانتها على تربية أولادها: “مهما قال لكم فأفعلوه” (يوحنا 2: 5).
مثلما جعل يسوع في عرس قانا الجليل عهداً جديداً، هكذا سيُجدد الرب يسوع هيكل أورشليم المحاط باللصوص: “هذا البيت الذي دُعي بأسمي هل صار مغارة للصوص أمام عيونكم؟ بل أنا رأيت ذلك يقول الرب” (إرميا 7: 11). يسوع هو كلمة الله، الذي تجسّد وأصبح إنساناً، هو الهيكل الجديد حيث يلتقي الإنسان بالله ويتّحد به.
بقلم: الاب الدكتور سامي الريس