“كُنْ مُرَاضِيًا لِخَصْمِكَ سَرِيعًا مَا دُمْتَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ”….. طلب السماح والاعتذاروالمغفرة ماذا يقول الكتاب المقدس عن الاعتذار

الاعتذار قيمة اخلاقية مرتبطة بعلاقة وثيقة بقيم أخرى مهمة في حياتنا، كما انها مهارة اجتماعية تحتاج الى تعلم كيفية ممارستها بالشكل الصحيح لتصبح جزءاً من سلوك نطبقه في حياتنا، لكن للأسف معظم البشر لا يدركون أهمية وأثر هذه المهارة في حياتهم الشخصية والاجتماعية.

الاعتذار هو تعبير عن الشعور بالندم عن فعل أو قول تسبب في ألم أو إساءة لشخص ما، وذلك بطلب العفو وهو تقويم لسلوك سلبي وفي نفس الوقت يعد ثقافة راقية لا يجيدها كثيرون، ثقافة الاعتذار تسهم في توثيق اواصر المحبة والرضا بين طرفي الخطأ، فليس من العيب أن يخطئ الإنسان، ولكن من العيب ان يستمر في الخطأ، يعتقد كثير من الأشخاص أن عبارة “أنا آسف” تكفي للاعتذار من الاخرين عند ارتكابنا خطئاً تجاههم، لكن علماء النفس يؤكدون أن ذلك غير كاف لإصلاح العلاقة مع الشخص الذي أخطأنا بحقه.

فالبشر مختلفون في اطباعهم، والإساءة في السلوك قرار شخصي ونفسي، وهذا ما يدعوا البعض الى الاعتقاد ان المسامحة والاعتذار عن الاخطاء وقبول الاعتذار قد يجعل المخطئ يتمادى في الاخطاء وقد يكررها.

التربية الاسرية والمدرسية ‏ ربما أسهمت في البعض منها او أسست الى تجاوز أبنائنا لبعض المبادئ الهامة في الحياة وفي العائلة وأصبح من النادر وجودها أو استخدامها، والذي نحن بصدده هو ان يسامح او يعتذر البشر من بعضهم عندما يحدث ما يدعوا الى ذلك.‏ ولهذا السبب لم نتعلَّم أغلبنا ان نقرَّ بأخطائنا.‏ وبسبب قلّة استخدام هذه العادة،‏ نجد الآن من الصعوبة أن نقدم اعتذاراً صادقا عن أخطاء بعضنا البعض وأحيانا نذهب الى حد التربص للإيقاع بالأخر.‏ الاعتذار هو وسيلة للتعرف على أخطائنا مع انفسنا اولا وعندما نعتذر، نبحث عنها في السماح عند الاخرين، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نتوقع المغفرة وعلى الفور من أجل اخطائنا وفي أحيان كثيرة يجب علينا التحلي بالصبر والسماح للآخرين بالتفكير حول كيفية قبول اعتذارنا.

عن كيفية غرس ثقافة الاعتذار في النفوس نقول:

عندما نعلم بأن كل إنسان من الممكن أن يخطئ، و من الشجاعة أن يكون لديه القدرة على أن يعترف بالخطأ ويعتذر بشكل سليم لمن اخطأ بحقهم، كما يجب أن يتعلم القيم المرتبطة بالاعتذار كالتسامح والمغفرة، كما أن ممارسة هذه القيم أمام الاخرين سنعززها في نفوسهم ايضا.

وللاعتذار أساليب عديدة:

كالاعتذار السريع، بمراجعة النفس مباشرة عند وقوع الخطأ غير المقصود أو السلوك السلبي في حالة الغضب. والاعتذار بعد مراجعة النفس: ويأتي متأخرا بعض الشيء، أي بعد مراجعة المخطئ للموقف والعودة الى النفس، وحالة من تأنيب الضمير.

عدم الاعتذار، وهو ما نعانيه في مجتمعاتنا اليوم، فالكثير منا مدرك تماما لحجم أخطائه، لكنه يكابر ويمتنع عن الاعتذار بسبب ضعف في قدرته على مواجهة المواقف أو غروره.

من بين التصنيفات السيئة عن الاعتذار: وضع علماء النفس مجموعة من الأمثلة للاعتذار الوهمي التي يطلق عليها أصحابها بدجل الاعتذار، وكما يأتي:

اعتذار الكيد المرتد وفيه يتم استخدام كلمات ملتوية تنتهي بإلقاء اللوم على صاحب الحق، مثل: أنا آسف أنك فهمت كلامي أو فعلي بهذه الطريقة، إذ ينتهي هذا التصرف بهزيمة الغرض من الاعتذار.

عذر الاعتذار وفيه يحاول الشخص تبرير الموقف كقوله: أنا آسف.. بس والله كنت أقصد….

اعتذار اللوم حين يكثف المخطئ من محاولات إلقاء اللوم على شخص آخر مثل: تمام انا على معرفة أنك مستاء بس هذا ليس غلطي، وهذا النوع من الحديث يلجأ إليه العاملون في السوق والتبادلات العامة.

الاعتذار يُخمِد سعير الخلافات:

تذكَّروا كم نشعر بالارتياح بعدما يعتذر الينا أحدهم.‏ فكلمات الاعتذار بلسم لجراح.‏ “وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هكَذَا”(لو 6: 31)، لا يجب الا نعتبر الاعتذار هزيمة لنا ولا انتصارا، بل إعادة توازن الحياة مع من تعتذر له، يجب أن نكون واقعيًّين.‏ لا أحد منا معصوم من الخطاء.‏ وعلينا ان نتقبَّل هذا الواقع بتواضع. ‏”اَلأَخُ أَمْنَعُ مِنْ مَدِينَةٍ حَصِينَةٍ، وَالْمُخَاصَمَاتُ كَعَارِضَةِ قَلْعَةٍ، مِنْ ثَمَرِ فَمِ الإِنْسَانِ يَشْبَعُ بَطْنُهُ، مِنْ غَلَّةِ شَفَتَيْهِ يَشْبَعُ”(أم 18: 19، 20)، وقد يكون من الصعب ان تعود المياه الى مجاريها في اجواء متوترة.‏ ولكن عند الاعتذار يكون ذلك أفضل وهكذا تستمر الحياة،‏ “لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا”(في 2: 4،3).

يؤكد الكتاب المقدس ان الاعتذار غالبا ما يكون وسيلة فعالة للإصلاح:

يخبرنا الكتاب المقدس كثيرًا عن الاعتذار والاعتراف بخطايانا، ولكنه يتبنى مسمى المسامحة والمغفرة والذي نحن فيه هو موضوعنا الحالي فيذهب في الغالب الى استخدام الاعتذار كنتاج لغوي مناسب يعبر بشكل واسع عن المحتوى الفكري لمصطلحي المسامحة والمغفرة التي وردت في الكتاب المقدس وكما يلي:

1- إن المعرفة والعلم بعواقب الخطايا والضرر الذي نلحقه بالآخرين يقودنا إلى تبيان سبب أهمية الاعتذار، هذا ما يبينه الكتاب المقدس، فمثال الذي ورد بحسب لوقا البشير في الابن الضال،‏ عندما عاد الابن الى البيت وقدَّم لأبيه اعتذارا نابعا من القلب،‏ كان الاب على اتم الاستعداد لقبوله ثانية في بيته، “أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا. اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ”(لو 15: 19،18)، نعم لا ينبغي ألا نسمح لأنفسنا بالامتناع من التنازل والاعتذار،‏ وطلب الغفران، ذلك لن يكون صعبا جدا على الاشخاص الصادقين في تواضعهم ان يعتذروا وقبول الاعتذار، “لأَنَّ ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ. فَابْتَدَأُوا يَفْرَحُونَ”(لو 15: 24).

*عصى يونان الله وأمضى بعض الوقت في بطن الحوت حتى اعتذر. *اعتذر أخوة يوسف له لبيعه في العبودية. *ما فعلته ابيجايل،‏ امرأ‌ة حكيمة في اسرائيل القديمة،‏ يزوِّدنا بمثال لقوة الاعتذار،‏ رغم ان الاساءة لم تصدر عنها بل عن زوجها*1.‏

*الرسول بولس هو مثال آخر لشخص عرف متى يعتذر في الدفاع عن نفسه.

2- علاقة الإنسان بأخيه، تظهر في الامثلة الكتابية أعلاه، عندما وجدنا الأخ الأكبر لا يتقبل أخاه الذي طالب أباه بالميراث وهو بعد حيّ، وقد عاد إلى بيت آبيه، ويقف الأخ الاكبر موقف الناقد لأبيه على اتساع قلبه للابن الضال الراجع إليه، ويغلق قلبه نحو أخيه، وقد رفض القديس يوحنا الذهبي الفم هذا السلوك قائلًا: إن الابن الأكبر قد ثار عند عودة أخيه، بينما يقول الرب، “أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارًّا لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ“(لو 15: 7). “حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: «يَا رَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، قَالَ لَهُ يَسُوعُ: لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ”(مت 18: 21، 22)، “وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ، فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ زَلاَتِكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لاَ يَغْفِرْ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَيْضًا زَلاَتِكُمْ”(مر 11: 25، 26). “وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ”(أف 4: 32). “مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا”(كو 3: 13).

3- الاعتراف بالأخطاء والخطايا ليس دائما سهلا كما يشير الكتاب المقدس. لا نحب دائما أن نعترف عندما نكون مخطئين، ولكن هذا كله جزء من عملية تطهير الهواء بيننا وبين البشر في أقرب وقت ممكن، وبيننا وبين الله دائماً، وعن الطريقة التي أخطأنا بها، ولا يزال من مسؤوليتنا أن نطلبها، وأن نحترم تلك المسؤولية. أيضا، كلما أسرعنا في الاعتراف بخطايانا وأخطائنا، كلما أسرعنا في التخلص منها، “اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلاَتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا. طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا”(يع 5: 16).

ما الدروس المستفادة من المواقف الإنسانية (الاعتذار والمسامحة والمغفرة) التي اعطانا إياها الكتاب المقدس:

قد يحتاج بعضنا إلى تعلم كيفية الاعتذار فكلنا نرتكب الأخطاء، ولدينا القدرة على إيذاء المحيطين بنا من خلال سلوكنا وأفعالنا، سواء بقصد أو بدون قصد، وفي المقابل يعتبر الدرس الموجه لكل منا والذي يشير الى علامة لتلمذتنا وتعلمنا مما يدعوا اليه الكتاب المقدس لقبول فضيلة الاعتذار وتعلمها وما يرتبط بها من قيم إنسانية أخرى وكما يلي:

1- أن تكون لدينا ثقافة الاعتذار ليست أمراً سهلاً دائماً، ولكن تقديم الاعتذار بالطريقة المُثلى والأكثر فاعلية يساعد على استعادة الثقة والتوازن في العلاقة مع الاخرين لتلافي الاخطاء.

2- يفتح الاعتذار قنوات حوار بيننا وبين الآخر، كما يمنحنا الفرصة التي نحتاجها للتواصل مع الاخر، ويُظهر الاعتذار الصادق أننا نتحمل المسؤولية عن أفعالنا، وهذا يساعد على تعزيز التقته بالنفس، واحترام الذات.

3- الاعتذار الصادق صعب للغاية، وقبول حقيقة أننا ارتكبنا اخطأً شيء مؤلم عندما يحدث ذلك، ناهيك عن الاعتذار والاعتراف بالخطأ أمام آخرين، هو تعلم فتقديم الاعتذار لا يهدف إلى إذلال النفس في أعين الآخرين، بل إظهار لقوة داخلية، تبعدنا عن الآثار السيئة عند ما لا تعتذر عند ارتكاب الأخطاء.

4- (آسف ) وحدها لا تكفي، فالكلمة بمفردها قد تُشعرنا أن من يقدمها ليس صادقاً، وإنما يعتذر لغرض آخر في نفسه، ولكن إذا كانت مصحوبة بشعور بالندم. وبسبب الاعتذار نفسه فهذا يعني أن من يعتذر لا ينوي تكرار ما فعله مرة أخرى، فتكرار الاعتذار يعد تأكيداً على الشعور بالندم، وهذا الندم يساعد على تقليل غضب الآخرين، ويعيد بناء ثقته.

5- إذا رُفض الاعتذار، فكل ما علينا فعله هو توضيح أننا تريد الحفاظ على علاقات جيدة مع الآخرين، وإننا تود أن نستعيد علاقتنا معهم ولا نرغب بفقدانها وان نوضح ذلك أننا في انتظار دائم لاستلام الرد وتغير وجهة نظر المقابل وقبول الاعتذار.

اخواني القراء الأعزاء أسرعوا الى طلب السماح والاعتذار من الاخرين:

هذا سيعيد بعض من الاعتبارات النفسية اليكم، واذا لم يكن الحق بكامله معكم،‏ لا تظنوا ان بمرور الوقت كفيل بأن نذهب الى نسيان السبب المؤدي الى دواعي الاعتذار.‏ عبِّروا عن اسفكم عن جميع ما حصل بينكم من اخطاء،‏ فذلك يسهِّل عليكم الاعتذار.‏ وكلما اعتدتنا تقديم ذلك،‏ سهُل علينا الامر اكثر فأكثركما ورد في التعليم الكتابي بحسب متى البشير، “كُنْ مُرَاضِيًا لِخَصْمِكَ سَرِيعًا مَا دُمْتَ مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ، لِئَلاَّ يُسَلِّمَكَ الْخَصْمُ إِلَى الْقَاضِي، وَيُسَلِّمَكَ الْقَاضِي إِلَى الشُّرَطِيِّ، فَتُلْقَى فِي السِّجْنِ”(مت 5: 25)

اعتذِروا ولا تقدموا الاعذار بديلا عن الاعتذار بقولكم (السماح) لم نعرف أنك الى هذه الدرجة من الحساسية‏ فعلينا جميعا تحمَّل المسؤولية عن سلوكنا ونعترف بجرح شعور الاخرين سواء كان مبرَّرا ام لا.‏ “كُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ” (أف 4: 32) اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِٱلزَلَّاتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لِأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا. طَلِبَةُ ٱلْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا”(يع5: 16)

التسامح هو التعايش مع الذاكرة، وإعفاء الآخر من فعل يعتبر خطئاً، والتخلي عن الانتقام في نهاية المطاف، أو المطالبة بعقوبة أو تعويض عادل، واختيار عدم أخذ الخطأ في الاعتبار في المستقبل، بحيث يتم العفو عن هذه العلاقة

والغفران هو الأداة التي تساعدنا على تحرير أنفسنا من الأعباء والسير بخفة وسعادة في الحياة. يساعدنا على ترك الضغائن والرغبة في الانتقام وتضميد جراحنا النفسية. …

المسامحة والغفران هو الجانب العملي في الحياة ومفيد للصحة النفسية والجسدية، “فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ”(مت 6: 14).

هذا هو الاعتذار والمسامحة والغفران المسيحي…. بارك يا رب جميع البشر الذي يقدم الاعتذار والمسامحة والغفران، لان ممارسة هذه القيم الانسانية ستعزز حضورهم الاجتماعي، والجميع يحتاج الى تعلم كيفية ممارستها بالشكل الصحيح لتصبح جزءاً من السلوك الذي يجب ان يطبق في الحياة ……. الى الرب نطلب

د. طلال كيلانو

————————————————————————————————-

*1قوة الاعتذار عندما انطلقت أَبِيجَايِلُ لملاقاة داود وقالت له‏ عليَّ انا يا سيدي هذا الذنب وقبل داود هديتها من طعام وخمر.‏ عندئذ قال داود:‏ اصعدي بسلام الى بيتك قد سمعت لصوتك ورفعت وجهك وبحسب صموئيل الأول يقول، “فَبَادَرَتْ أَبِيجَايِلُ وَأَخَذَتْ مِئَتَيْ رَغِيفِ خُبْزٍ، وَزِقَّيْ خَمْرٍ، وَخَمْسَةَ خِرْفَانٍ مُهَيَّأَةً، وَخَمْسَ كَيْلاَتٍ مِنَ الْفَرِيكِ، وَمِئَتَيْ عُنْقُودٍ مِنَ الزَّبِيبِ، وَمِئَتَيْ قُرْصٍ مِنَ التِّينِ، وَوَضَعَتْهَا عَلَى الْحَمِيرِ، وَلَمَّا رَأَتْ أَبِيجَايِلُ دَاوُدَ أَسْرَعَتْ وَنَزَلَتْ عَنِ الْحِمَارِ، وَسَقَطَتْ أَمَامَ دَاوُدَ عَلَى وَجْهِهَا وَسَجَدَتْ إِلَى الأَرْضِ، وَسَقَطَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ وَقَالَتْ: «عَلَيَّ أَنَا يَا سَيِّدِي هذَا الذَّنْبُ، وَدَعْ أَمَتَكَ تَتَكَلَّمُ فِي أُذُنَيْكَ وَاسْمَعْ كَلاَمَ أَمَتِكَ، فَقَالَ دَاوُدُ لأَبِيجَايِلَ: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَرْسَلَكِ هذَا الْيَوْمَ لاسْتِقْبَالِي، وَمُبَارَكٌ عَقْلُكِ، وَمُبَارَكَةٌ أَنْتِ، لأَنَّكِ مَنَعْتِنِي الْيَوْمَ مِنْ إِتْيَانِ الدِّمَاءِ وَانْتِقَامِ يَدِي لِنَفْسِي” واعتذارها عن السلوك الفظ الذي اظهره زوجها انقذا بيتها.‏ حتى ان داود شكرها على منعه من اتيان الدماء.‏ ورغم ان ابيجايل لم تكن مَن اساء معاملة داود ورجاله،‏ قبلت ان يُلقى عليها اللوم من اجل عائلتها وصنعت سلاما مع داود.‏ (1صم :33،32،24،23،18:25 )

ان الرسول بولس هو مثال آخر لشخص عرف متى يعتذر في الدفاع عن نفسه امام السنهدريم‏ فاغتاظ رئيس الكهنة حنانيا من كلمات بولس الصادقة،‏ قال له بولس:‏ «سيضربك اللّٰه،‏ ايها الجدار المكلَّس!‏ أ‌تجلس لتحاكمني بحسب الشريعة،‏ وفي الوقت نفسه تأ‌مر بضربي،‏ متعديا على الشريعة؟‏».‏وقال له الحضور هذا رئيس الكهنة،‏ اعترف الرسول فورا بخطإ‌ه قائلا:‏ «لم أ‌عرف،‏ ايها الاخوة،‏ انه رئيس كهنة.‏ لأ‌نه مكتوب:‏ ‹رئيس شعبك لا تقل فيه سوءا”( اع ٢٣:‏١-‏٥‏.‏)، ونتيجة لذلك عظم الشقاق،‏ بحيث ايّد الفريسيون بولس.‏ (اع ٢٣:‏٦-‏١٠‏.‏) ماذا نتعلم من هذين المثالين المؤ‌سسين على الكتاب المقدس؟‏ في الحالتين كلتيهما،‏ فتحت تعابير الاسف الصادقة المجال لمزيد من الاتصال.‏ اذًا،‏ يمكن ان تساعدنا كلمات الاعتذار على صنع السلام.‏ نعم،‏ ان الاعتراف بأ‌خطائنا والاعتذار عن الضرر الذي أُ‌لحِق يمكن ان يتيحا الفرص لمناقشات بناءة.‏

آيات يعرضها الكتاب المقدس علينا لكي نتعلّم فنّ الاعتذار والمسامحة! نعم، إنه فنّ أن تسامح من أساء إليك تتعلّمه من الرب يسوع له المجد سيد الرحمة.

1- “فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ.” (مت 6: 14)، كلنا خطأة علينا أن نغفر.

2- اعترف بخطاياك والله سيغفرها: “إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ”(1 يو 1: 9).

5- المحبة تغفر للآخرين: “اِصْفَحْ عَنْ ذَنْبِ هذَا الشَّعْبِ كَعَظَمَةِ نِعْمَتِكَ، وَكَمَا غَفَرْتَ لِهذَا الشَّعْبِ مِنْ مِصْرَ إِلَى ههُنَا فَقَالَ الرَّبُّ: قَدْ صَفَحْتُ حَسَبَ قَوْلِكَ”(عد 14: 19، 20).

6- مسامحة الآخرين أولاً: “فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئًا عَلَيْكَ، فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ، وَاذْهَبْ أَوَّلًا اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ”(مت 5: 24،23).

7- سامح الآخرين عوض الحكم عليهم: “وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ” (يو 8: 7).

8- مثال في المسامحة: “فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي، ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: يَا رَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ، وَإِذْ قَالَ هذَا رَقَدَ”(أع 7: 60،59).

9- وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ، مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ ٱللهُ أَيْضًا فِي ٱلْمَسِيحِ” (مَتَّى 6: 14).

أقدم شكري واعتزازي الى السادة المحكمين لموضوع (الاعتذار) – أعلاه……. لهم كل الشكر والتقدير….. وادناه بعض اراء من كان محكما علميا وفكريا له.

1- الأخ والصديق والقريب باسل هرمز كبارة الذي بذل مجهودا في تعديل بعض من مساراته والثناء على التفسير الخاص بالاعتذار وأضاف بعضا من الآراء حول الموضوع.

2- الأخ والعزيز الشماس سمير اسطيفان عوديش الذي ساهم في اثراء الموضوع من خلال تجربته الفكرية ودراساته عن الكتاب المقدس وأعطى بعض الملاحظات حوله…

عن د. طلال فرج كيلانو

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …