الأحد الرابع من تقديس الكنيسة

المسيح أبن مَن هو؟ 

إذا كُنّا نستطيع الإجابة بنعم على هذا السؤال، الذي تم طرحه منذُ آلاف السنين وما زال يطرح من قبل المسيحيين، سنضع بواسطة هذا التأكد أساس خلاصنا. نحن نعلم أنّ هناك العديد مِمَن سيجيبون بنعم لكن دون تفكير عميق بمعنى هذه النعم. يجب أن لا نتعب من تكرار هذا السؤال ونمتلك الجواب على معناه. لأن من هذا السؤال المهم تأتي أسئلةٌ أُخرى. ماذا يعني ذلك الإيمان بالرب؟ أن نكون مؤمنين يعني لدينا إيمان، يعني أننا نعترف ونتصرّف وفقاً لما نؤمن به. الإيمان بيسوع المسيح يعني قبوله مثلما هو وأن نكون بروح واحدة معه. 

لا يمكن أن نطلق على أنفسنا أو نقول إننا مسيحيون نؤمن بيسوع المسيح ومن ثم نرفض أن يكون ربّاً. إنكار ربوبيته يعني عدم الإيمان به، يعني عدم الطاعة للذي ندرك أنه الرب، يعني خطيئة تجاهه، لأننا نعرف أن كل عصيان ضد إرادته يعني خطيئة. القديس يوحنا يعلن هذا بشكل واضح من خلال رسائله مثلاً: «إذا عملنا بوصاياه كُنّا على يقين أننا نَعرفُه. ومَن قال: “إنني أعرفه” وما عمل بوصاياهُ، كان كاذباً لا حَقَّ فيه» (1 يو 2: 3-4) ونصوص أخرى كثيرة. 

معرفة يسوع مثلما هو ستُغَير حياتَنا، في الصلاة، إذا كنا نؤمن أن يسوع هو الرب، سوف لن نتصرّف كأننا متسلّطون عليه لا في الصلاة ولا في أي شيء آخر، ولا نطلب منه أن يفعل ما نريده مثلما فعل البعض عندما كان على الأرض، يعيش معهم. أن نقول لله ما يجب القيام به ليست صلاة. الصلاة هي طلبة نسأل بها الله وليست أوامر نقدمها لله. مَن هو الرب عندما نصلي؟ يمكننا في الصلاة أن نسأل عن كل ما نحتاجه أو نريده. بل أكثر من هذا في الصلاة نتشجّع عند الحديث مع الله، على الرغم من أن هناك خطورة في بعض الآحيان في إعطاء الأوامر لله. لكن مَن يصلّي وهو في رغبة أن يعطي الأوامر لله يعني أنه ينكر بأن الرب يسوع هو الرب. 

عندما تكلم يسوع مع الآلاف من الناس لإقناعهم بسلطته، شخص ما فكّر في أن يقول ليسوع أن يساعده للحصول على ما يريد. فطلب من يسوع ليس بطلب رجاء أو إلتماس بل بصورة أمر أن يقول لشقيقه أن يقسم الميراث معه. فرفض يسوع طلبه وقال لهم مثل الغني الغبي (أنظر لوقا 12). القديس بطرس هو الآخر حاول مرة أن يقول ليسوع ما يجب عليه أن يفعله، مانعاً المعلم من السير على درب الصليب: «”لا سمح الله، يا سيّد! لن تلقى هذا المصير!” فالتفت وقال لبطرس:” ابتعد عني يا شيطان! انت عَقَبةٌ في طريقي، لان أفكارك هذه أفكار البشر لا أفكار الله”» (متى 16: 22-23). حاول بطرس أن يقول له: “يا رب” لا ينبغي أن تموت على الصليب. 

يُطوّر القديس متى الجدالات الكبيرة لحضور يسوع في أورشليم الذي كان يشكّل صعوبات لليهود منها: إنه لم يعد غريبا، والكثير أصبح يتبعه ويتحدّث عنه الكثير، قال حقائقمثيرة عن الخلاص، والشفاء، وتفسير الكتاب المقدس، غيّر الكثير من العادات والتقاليد وفسّر للشعب عدالة الله ورحمته. وفي نهاية المطاف، نال الرب يسوع استحسانا شعبياً، إلى وصل بهم المطاف أن يعلنوا يوم دخل الهيكل في عيد السعانين حملوا أغصان النخيل والزيتون في أيديهم بمثابة الإنتصار فصرخوا: “أوشعنا لابن داود” (متى 21: 9). ولم يُسكت يسوع أحدٌ منهم. 

مع هذا يشرع يسوع نفسه بالسؤال: “ابن مَن هو المسيح؟” الجواب: “ابن داود”. في هذه الحال يتصّرف يسوع كمعلم يواجه مع الكتاب المقدس. في المزمور110، نقرأ إعلان داود عن صورة المسيح الآتي، الذي فيه يوضّح إحتفال تتويج المسيح من قبل الله، وهو يعترف بأن المسيح هو أعظم منه، يدعوه السيّد. نحن هنا أمام واقع ليس فقط إنساني، مرتبط فقط بولادة طفل سيكون استمرارية لنسل داود أبيه، الملك، المحارب،رئيس إسرائيل. أنه أكبر بكثير من داود، ارتقىإلى عظمة من قبل الله لا يمكن وصفها. وهنا في لقاء اليوم يقعون اليهود الذين يستجوبهم الرب يسوع في حيرة لا يقدرون حتى الإجابة على السؤال حتى ولا بكلمة! 

في الواقع، يظهر يسوع سره الذي لا يمكن إدراكه من قبل اليهود. هكذا بعد أيام من هذا زمن قليل من هذا اللقاء سيقوم رئيس الكهنة قيافا بكشف هوية المسيح. فيسأله: “أستحلفك بالله الحيِّ أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله؟”. فأجاب يسوع: “أنت قُلتَ. وأنا أقول لكم: سترون بعد اليوم ابن الإنسان جالسا عن يمين الله القدير وآتيا على سحاب السماء” (26: 63-64). هذا الكشف يؤكد بشكل واضح الفرق الكبير بين المسيح وشخصية “ابن الانسان” الذي أشار إليه النبي دانيال، حيث يمتلك قوة وسلطة ومجداً: “ورأيتُ في منامي ذلك اليل، فإذا بمثل ابنِ إنسانٍ آتياً على سحاب السماء، فأسرع إلى الشيخ الطاعن في السن. فقُرِّبَ إلى أمامهِ وأُعطي سلطاناً ومجداً ومُلكاً حتى تعبده الشُعوب من كلِّ أُمةٍ ولسانٍ ويكون سُلطانُهُ سلطاناً أبدياً لا يزولُ، ومُلكُهُ لا يتعدّاه الزمن (دانيال 7: 13-14). 

إذن جواب يسوع كان سبباً لدينونته، وسبباً أيضاً لجعل الكثير من الناس الذين سمعوه وتعجّبوا بتعاليمه أن يرفضوه ويطلبوا الحكم عليه بالموت، لأنه لا يمثّل وصف دانيال النبي. حتى على صعيد الجماعة المسيحية الأولى في البداية لم تستطيع أن تستوعب فكر يسوع إلا بعد أن قرأت جيّداً ما كتب عن عبد يهوه المذكور في إشعيا الفصل 53 ومعاناته بخصوص الألم عوض الشعب. 

يبدو أن هذه المشكلة بعيدة عنا، ولكنها تضعنا من حيث وضوح السؤال: “من هو يسوع بالنسبة لي؟ ما هيعلاقتي به؟ ما هي توقعاتي التي يجب أن أقدّمها كمؤمن للعالم؟ما هي المواضيع التي يجب أن أدركها كمؤمن؟ هذه الأسئلة يمكننا أن نسألها أيضاً عن تصوراتنا وفكرنا بخصوص الكنيسة، لأن يسوع عريسها. 

أي كنيسة أبحث عنها؟ كنيسة مؤسسة من جماعة ناجحة، وقادرة بالسلطة والقوة؟ أم أبحث عن كنيسة قادرة على تقديم الرحمة تعي بمحدوديتها حرّة وباحثة؟ كنيسة سلطوية أم كنيسة خادمة؟ اعتمادا على جواب كل واحد منا سيعرف الإنسان أي وجه للكنيسة يريد، ربما سنتفاجئ بأن الرب يسوع يصوّر لنا وجهاً آخراً لكنيسته الذي هو رسالة الله الخلاصية. 

بقلم: الاب الدكتور سامي الريس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

مواهب الروح القدس

هو روح الله الأقنوم الثالث في الثالوث الاقدس وقد ذكر هذا التعبير ثلاث مرات فقط …