تحتفل الكنيسة في الخامس عشر من اب من كل عام بإحدى أهم أعياد السنة المكرسة لمريم الكلية القداسة عيد الانتقال في ختام حياتها الأرضية انتقلت مريم بجسدها ونفسها إلى السماء، أي إلى مجد الحياة الأبدية، إلى ملء وكمال الشركة مع الله .
إن مريم بانتقالها إلى السماء تدعونا اليوم لنعيد النظر في نوعية إيماننا وصلاتنا ومحبتنا إنها تريد أن ننتقل من اليأس إلى الرجاء ، من الخطيئة إلى البرارة ، من الحقد إلى المسامحة ، إنها تدعونا لكي نزيل الحواجز من أعماقنا فننفتح على الله وعلى الآخرين بالمحبة والتسامح والغفران ، وخاصة الذين يجمعنا معهم الايمان الواحد ، وان لا نجعل من الألفاظ والتعابير الفلسفية واللاهوتية وحتى من الطقوس والمذاهب والقوميات حاجزا يبعدنا ويفرّقنا عن بعضنا بل نتمسّك بما يوحدنا جميعا ، جوهر ايماننا الذي لا يختلف عليه مسيحي حقيقي واحد يعيش في العالم.
ألا وهو يسوع المسيح مخلص البشرية انجيل واحد معمودية واحدة وذبيحة الاهية واحدة تضمنا جميعا الى جسد الرب، الذي يتمثل بكنيسة واحدة ، جامعة ومقدسة ورسولية فنعيش بالمحبة والاخوة ونحقق رغبة يسوع في الوحدة المسيحية الحقيقية الشاملة لنبني معا ملكوت الله على الأرض.
إن لاحتفالنا بانتقال مريم العذراء بالنفس و الجسد إلى السماء هدفان
الأول هو احتفالنا بمغادرتها السعيدة لهذه الحياة على الأرض، و الثاني هو احتفالنا بانتقال جسدها إلى السماء. فنحن نؤمن إيماناً ثابتاً بأنّ السيدة العذراء كانت بريئة من كلّ خطيئة بما في ذلك الخطيئة الأصلية منذ اللحظة الأولى للحبل بها بنعمة خاصة من الله القدير وقد خاطبها الملاك جبرائيل السلام عليك يا ممتلئة نعمة، الربّ معك“. فاضطربت مريم لهذا الكلام وتساءلت ما عسى أن يكون هذا السلام. فقال لها الملاك: “لا تخافي، يا مريم، فإنّك قد نلتِ حظوةً عند الله. وها أنت تحبلين وتلدين ابنًا، وتسمّينه يسوع. إنّه سيكون عظيمًا، وابنَ العليّ يُدعى. ويعطيه الربّ الإله عرشَ داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب أبد الدهر، ولا يكون لملكه انقضاء“. فقالت مريم للملاك: “كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً؟” فأجاب الملاك وقال لها: “هو الروح القدس يحلّ عليكِ وقدرة العليّ تظلّلكِ. لذلك فالمولود منك قدّوسٌ وابنَ العليّ يُدعى (لوقا 28:1-35).
ان المعاني الروحية المؤدية والمنبثقة عن انتقال أمنا العذراء مريم إلى السماء تتجاوز في عمقها كل المعاني التاريخية والمادية التي تحيط بهذا الحدث الجليل.ففي الوقت الذي أعطت الثانية مشروعية ولادة حدث الانتقال فان الاولى قد اعطت له العمق الروحي والتفاعلات اللازمة لتكوين صخرة الايمان التي تسنده.
أن دور العذراء في اتمام المخطط الالهي للخلاص ليس دورا هامشيا, حيث يذكر لنا الانجيل المقدس منذ بداياته كيف ان مريم العذراء كانت مواظبة على الصوم والصلاة والتعبد لله خالق السماوات والارض. وكانت في صلاتها تهتم لعذابات البشرية وانينها وتطلب الخلاص للانسانية جمعاء ناكرة ذاتها لاجل القريب, ومفرّغة نفسها من كل محبة للارضيات لذلك فقد ملأ الله ذاتها بالنعمة ( الممتلئة نعمة. لوقا 28:1), واختار تواضعها (لانه نظر الى تواضع امته. لوقا 48:1) واستجاب لصلاتها فأرسل مخلصا للعالم ( تحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع لانه هو يخلص شعبه من خطاياهم. متى 21:1). وهكذا انتخب مريم العذراء حتى يكون لها دور مهم في هذا المخطط واليها اوكلت مهمة ولادة وتنشأة وتهيئة يسوع المسيح ابن الله ومرافقته على طريق الجلجلة وحتى موته ودفنه وهناك على الصليب توّج دور مريم العذراء في هذا المخطط عندما اوكل يسوع الى امه ان تكون اما لجميع المؤمنين به ( هوذا ابنك. يوحنا 26:19) وهكذا بدأت المهمة الجديدة والازلية لمريم العذراء, وهي ان تتحمل مسؤولية عناية كل اولاد الله والمؤمنين بابنه يسوع المسيح المائت والقائم والصاعد الى السماوات.وخلال الفترة التي سبقت وتلت حلول الروح القدس مارست العذراء مريم دورها كأم لجميع التلاميذ وكل الذين رافقوهم بيد انها استمرت في صلاتها وتعبدها لله حتى يومها الاخير على الارض.
نرفع اصواتنا ونمد ايادينا بالتضرع الى والدة الله المنتقلة الى السماء في عليائها ان تطلب من العناية الالهية ان ترحم العالم اجمع لكي يحل السلام والوئام في كل الاوطان ولاسيما في عراقنا الحبيب وشرقنا الاوسط والعالم اجمع من اجل ان تحل رحمة الرب ونعمته في قلوب الجميع حتى يعيش الجميع في امن وطمأنينة ومودة ومحبة.
ولنتقدم ايضا من العذراء مريم في عيد انتقالها الى السماء بالنفس والجسد وبكل ثقة ومن دون تردد ملتمسين منها الشفاعة والعون وان تطلب من ربنا يسوع، ان يحفظ عائلاتنا ، اطفالنا شبابنا شيوخنا والشفاء لمرضانا ويرحم امواتنا، ويصون اديرتنا وكنائسنا، ويمنح الجميع نعمة الثبات والايمان وكل عام والجميع بالف خير.
مبارك عليكم عيد انتقال مريم العذراء الى السماء بالنفس والجسد ، والعذراء تحميكم من كل سـوء ومبارك لجميع المسيحيين هذا العيد.
د – بشرى بيوض